نلاحظ في الأيام الأخيرة عند مرورنا في ممر اللحوم أو الخضروات في أحد المتاجر الكبرى، ارتفاع أسعار تلك المنتجات عن الأسعار التي اعتدنا عليها، وهذا ليس بالشيء الغريب، ولكن الأشد غرابة هو تغير أسعار تلك المنتجات بسرعة كبيرة عن المعتدل المعتاد، ففي كل مرة تذهب لشراء منتج معين اعتدت شراؤه تجد سعره قد تغير كليًا، وزيادة الأسعار من وقت لآخر ليس أمرًا غريبًا في حد ذاته، ولكن الفرق هنا بين أسعار المواد الغذائية في العقود الماضية والآن هو إلى حد كبير نتاج تضخم الدولار الأمريكي، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل مطرد بغير العادة، حيث كان يحدث سابقًا بمعدل بالكاد يمكن ملاحظته ويصبح واضحًا فقط عندما ننظر إلى الفروق في أسعار المواد الغذائية على مدى سنوات أو عقود عديدة.

      وقبل الحديث عن الأسباب المتعلقة بارتفاع الدولار دعونا نسترجع بعضًا من أسباب هذه الارتفاعات، ونعود لما بعد تفشي جائحة كوفيد-19، وقتها اتخذت الدول بعض الإجراءات الاحترازية فيما يتعلق باستمرار المصانع والمؤسسات الإنتاجية عن العمل، مما أثر على تدفق وانتشار المنتجات والأغذية في العالم، وبالتالي تعطل الإنتاج المحلي والعالمي، مما أدى إلى ظهور مشكلات في سلاسل التوريد، وقد لامست هذه العديد من المجالات المختلفة، من تصنيع السيارات وبيعها إلى توافر الإمدادات الطبية.

        ويتفق الاقتصاديون حول العالم أن المشكلات المتعلقة باضطراب سلاسل التوريد هي المحرك الرئيسي لارتفاع الأسعار الذي شهدناه خلال الفترة الماضية في صناعة الأغذية على وجه الخصوص، والتي بدأت لأول مرة بسبب الاضطرابات التي سببتها جائحة كورونا نتيجة إجراءات الإغلاق التي تم اتخاذها للحد من انتشار فيروس كورونا، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعار الحبوب بشكل كبير، ولكن الخلاف الحادث الآن بين أوساط الاقتصاديين يكمن حول ما إذا كان ينبغي نقل التكاليف المرتفعة التي نتجت عن تلك المشاكل إلى المستهلكين أم تتحملها الحكومات.

          سوق السلع الغذائية

          تُظهر إحصائيات أسعار الأسهم للسلع الغذائية المختارة من 2 يناير 2020م إلى 27 مارس 2023م، بعد الأزمة الروسية الأوكرانية في فبراير 2022م، ارتفاع أسعار القمح بشكل كبير نظرًا أن كل من روسيا وأوكرانيا هما المورّدان الرئيسيان للمنتج، ومع بداية عام 2023م، بدأت أسعار السلع الغذائية في الانخفاض، ولكنها ظلت أعلى من مستويات أوائل عام 2020م، طبقًا لإحصائيات منصة Statista، وفي عام 2022م بلغ المتوسط السنوي لتضخم أسعار الغذاء في منطقة أوروبا وآسيا الوسطى نحو 18 % وهي النسبة الأعلى مقارنة بمعدل تضخم بلغ نحو 5.9% في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، مما يجعلها المنطقة الأقل تأثراً في عام 2022م.

            وجدير بالذكر أن سوق المواد الغذائية قد حقق إجمالي إيرادات بلغت نحو 8,6 مليار دولار أمريكي عام 2022م، ومن المتوقع أن يزيد إجمالي الإيرادات إلى نحو 12 مليار دولار بحلول عام 2027م، وتحتل الحلويات والوجبات الخفيفة أكبر شريحة من سوق المواد الغذائية بإيرادات 1,5 مليار دولار أمريكي في عام 2022م، وبنسبة 18% من إجمالي سوق المواد الغذائية العالمي تليها اللحوم بنحو 1,2 مليار دولار أمريكي ثم الخبز ومنتجات الحبوب بإجمالي إيرادات تمثل نحو 1,09 مليار دولار أمريكي، طبقًا لما ورد عن منصة Statista.

              أزمة الأسمدة

              ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميًا إضافة إلى تأثيرات جائحة كوفيد-19 السلبية التي سبق وتم ذكرها ارتفاع أسعار الأسمدة الزراعية، حيث ارتفعت الأسمدة بنسبة 300% منذ سبتمبر 2020م وفقًا لمكتب المزارع الأمريكي، ومن المتوقع أن تستمر تلك الأزمة خلال العام الحالي 2023م، مما سيترتب عليه انخفاضًا في الإنتاج العالمي من الذرة والأرز وفول الصويا والقمح، وهو ما يؤثر على مستوى الأمن الغذائي لكل أسرة تقريبا في العالم النامي، وبحسب ما ورد عن وكالة بلومبرج، فإن السيناريو الأقل حدة يشير إلى أن ارتفاع أسعار الأسمدة قد يؤدي إلى انخفاض غلة المحاصيل، ما سيرفع الأسعار في متاجر البقالة، بدءًا من الحليب ولحم البقر وصولًا إلى الأطعمة المعلبة وذلك لأشهر أو حتى سنوات عدة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الدول المتقدمة.