يعتبر كثير من الأشخاص أننا نعيش في نظام اقتصادي قائم على نظم وآليات العولمة، وبالتالي لا يمكن لدولة العيش في حالة من الاكتفاء، فقوانين العولمة تعتمد في الأساس على قدر أكبر من الترابط بين الدول ومواطنيها، ويشمل ذلك الترابط المتبادل عددًا كبيرًا من الجوانب التي يمكن تجميعها معًا من حيث الاقتصاد، والشؤون التقنية والسياسية والثقافية وغيرها، ولكن مع التطور المستمر الذي نشهده على كافة المستويات، تتغير المزايا النسبية للدول المختلفة، ولذا تتجه موارد العالم نحو المناطق الواعدة والأكثر ربحية.
وأدركت المملكة ذلك منذ زمن بعيد ضرورة تنويع الاقتصاد الوطني والتخلي تدريجيًا عن النفط كمصدر دخل رئيسي، وكان الاهتمام بالتنويع الاقتصادي هدفًا أساسيًا وشرطًا ضروريًا لبناء اقتصاد عصري أكثر استدامة، وتكشف خطة ورؤية المملكة 2030 عن استهداف واسع النطاق للتنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد قابل للنضوب.
ونظرًا للسيطرة الواضحة للقطاع النفطي على الاقتصاد السعودي، فإن مدى تحقيق هذا الهدف يظل مرهونًا بنجاح العديد من السياسات الداعمة، خاصة أن تحقيق التنويع الاقتصادي يتطلب دعم القطاعات الاقتصادية المختلفة والعمل على تنميتها، وتضافر الجهود والقدرات خاصة البشرية من خلال التركيز على ثلاث ركائز أساسية وهي مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح.
يتطلب التنويع خلق تحولات جذرية في الهياكل الاقتصادية، بحيث تقوم على قاعدة كبيرة من المرافق الإنتاجية لسلاسل من الصناعات ذات القيمة المضافة والميزة التنافسية العالية، ويتضمن التنويع الاقتصادي التنويع الأفقي الذي يسمح بإيجاد فرص لإنتاج سلع جديدة قد تكون مترابطة أو غير مترابطة بالقطاع الأحادي، كقطاع التعدين أو الطاقة أو الزراعة وغيرها، كما يتضمن التنويع الرأسي الذي يهدف إلى تطوير المنتج وزيادة القيمة المضافة باستخدام مدخلات محلية أو مستوردة من خلال التحول من صناعة إلى أخرى والتوسع فيها عاموديًا، ويعتمد التنويع الأخير الذي تطبقه دول الخليج عامة والمملكة العربية السعودية بوجه خاص وبشكل كبير من خلال القيام باستخراج النفط والغاز والقيام بصناعات التكرير، وصناعات البتروكيماويات والصناعات كثيفة الطاقة مثل الألومنيوم.
واستطاع الاقتصاد السعودي تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الربع الرابع من عام 2022م بنسبة 5.4% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق 2021م، حيث جاءت تلك الإحصائيات وفقًا لتقرير التقديرات السريعة لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022م، والتقديرات السريعة للناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع من عام 2022م، الذي أصدرته الهيئة العامة للإحصاء السعودية، وأفادت نتائج التقرير أن الناتج المحلي الحقيقي للأنشطة النفطية حقق خلال الربع الرابع من عام 2022م نموًا إيجابيًا بنسبة 6.1% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق 2021م، كما حقق الناتج المحلي الحقيقي للأنشطة النفطية خلال عام 2022م نموًا إيجابيًا بنسبة 15.4% مقارنة بالعام السابق 2021م.
القاعدة الإنتاجية
تأتي الحاجة الماسة للاقتصاد السعودي إلى تنويع قاعدته الإنتاجية لأن الهيكل الاقتصادي للمملكة العربية السعودية ما يزال يعتمد بصورة كبيرة على النفط، كما لم يحدث تغير ملموس في هيكل تنويع القاعدة الإنتاجية الذي يساهم في خلق وظائف في القطاع الخاص وزيادة التنافسية والإنتاجية وتحقيق النمو المستدام وتأسيس اقتصاد صناعي ذو أهمية مستقبلية عندما تبدأ عائدات النفط في الانخفاض ومن ثم استقرار معدلات النمو في المملكة وعدم تقلبها.
ويثير اعتماد اقتصاد المملكة العربية السعودية على الإيرادات النفطية تحديين رئيسيين أمام صناع السياسات، التحدي الأول هو كيف ينبغي انتهاج أفضل السبل في التعامل مع اعتماد البلاد الكبيرة حاليًا على الإيرادات النفطية وضمان حماية الاقتصاد المحلي إلى أقصى حد ممكن من التقلب في أسواق النفط العالمية، والتحدي الثاني هو كيف يمكنهم مساعدة الاقتصاد على تنويع أنشطته حتى يتراجع بمرور الوقت هذا الاعتماد على الإيرادات النفطية.
سوق النفط
تلعب المملكة العربية السعودية دورًا رئيسيًا في سوق النفط العالمي، وتزيد حصتها عن 15.7% من الاحتياطي العالمي المثبت كما تمكنت من زيادة إنتاجها بسرعة بفضل ارتفاع طاقتها الإنتاجية الفائضة التي تزيد على 2,7 مليون برميل يوميًا وهو ما يمثل أكثر من نصف الطاقة الإنتاجية الفائضة على مستوى العالم، ويُمكِّن ذلك المملكة العربية السعودية من أداء دور رئيسي في أسواق النفط العالمية والمساهمة بشكل إيجابي في تحقيق استقرار الاقتصاد والنمو في العالم.