تعد ثورة التقنية والبيانات أحدث ما شهده العالم من تطور بالغ شمل جميع المجالات، والتي غيرت قوانين التقدم  والإنتاج، حيث أصبح الاعتماد في المقام الأول على القدرة على الابتكار والحداثة، وذلك عن طريق الاستفادة من المعلومات والبيانات وتحويلها إلى معرفة، وعن طريق المعرفة اللازمة باستخدام التقنية تتحول إلى منتج مبتكر، ومن هنا نستنتج أن اقتصادنا وإنتاجنا بشكل عام معتمد على المعرفة لذلك يطلق عليه البعض عصر المعرفة.

    مفهوم اقتصاد المعرفة 

    هو الاقتصاد المبني على المعلومات في جميع مناحي الإنتاج، ويعني  ذلك أن المعلومات هي العنصر الأساسي المستخدم في العملية الإنتاجية، والمعلومات وتطبيقها في مختلف المجالات هي المنتج الوحيد لذلك النموذج.

    ويعرف اقتصاد المعرفة بأنه نظام استهلاك وإنتاج يقوم على وجه الخصوص على رأس المال الفكري، ويشير إلى القدرة على الاستفادة من الاكتشافات العلمية والبحوث التطبيقية. ويشغل اقتصاد المعرفة حصة لا يستهان بها من أنشطة معظم الاقتصادات المتقدمة، وذلك لكونه أحد المكونات الهامة القيمة من الأصول غير الملموسة ومنها على سبيل المثال الملكية الفكرية.

      وهناك عوامل عدة ساهمت في نمو وازدهار اقتصاد المعرفة، منها على سبيل المثال دورها المتنامي في زيادة الثروات والأصول من خلال الاعتماد على المعرفة والبيانات في تحسين سبل الإنتاج ورفع جودتها مع تقليل تكلفة المنتجات والخدمات، وقد نتفق جميعًا على معنى المعرفة وأهميتها ولكن من المؤكد أن هناك لغط كبير في التفرقة بين كل من مفهوم المعرفة والفرق بينها وبين البيانات والمعلومات، فالبيانات ما هي إلا مادة خام لم يتم تشكيلها واستخدامها بعد، وليست ذات قيمة كبيرة في الوقت الحالي، وذلك لكونها غير مترابطة وغير منظمة أي لا يمكن أن نستنتج منها شيء أو نعتمد عليها لفهم علاقة أو حدث ما، وتتكون البيانات من حقائق وأرقام، وصور، وكلمات وحروف، ومن هنا نستنتج أن البيانات ما هي إلا مادة خام يتم استخدامها عن طريق الدراسة والتحليل في صناعة المعلومات.

        أما المعلومات فهي ناتج عمليات البحث والتحليل والدراسة الدقيقة للبيانات من أجل الوصول إلى علاقات ومؤشرات ومقارنات منطقية لفهم وتحليل الأحداث الراهنة، وبذلك يمكننا القول أن المعلومات هي القيمة المضافة الناتجة من معالجة البيانات، أما المعرفة تأتي من استخدام البيانات وتحويلها إلى مجموعة من السلوكيات والقرارات والممارسات واستخدامها في أي مجال سواء كان تقني أو طبي أو علمي أو هندسي وغيرها من المجالات، ويمكن تعريف المعرفة بمنظور اقتصادي بأنها سلعة غير ملموسة ويطلق عليها  Intangible Good، وهي نوع من  السلع التي ليس لها طبيعة مادية على عكس السلعة المادية التي تخضع لقوانين الندرة وقانون تناقص الغلة، وعلى نحو آخر تتميز المعرفة بعدة خصائص أهمها:

          • صعوبة السيطرة على المعرفة والاحتفاظ بها لأنها ناتجة من معالجة المعلومات المتوفرة التي يمكن استخدامها من قبل أشخاص آخرين.
          • لا تفنى المعرفة بالاستخدام، ولا يمكن تحديد سعرها كما هو الحال في باقي السلع، فالمعرفة هي منتج غير قابل للمنافسة.
          • تتميز المعرفة بأنها عملية تراكمية أي تتطلب بناء معرفة جديدة باستخدام باقي المعارف الموجودة لدى الشخص مسبقًا. 

            تاريخ اقتصاد المعرفة 

            بدأ ظهور مصطلح اقتصاد المعرفة لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك في وقت الازدهار الكبير الذي ظهر في القطاع الصناعي، وكانت تلك هي النواة التي اعتمدت عليها الدول المتطورة في عملية النمو الاقتصادي، حيث اعتمدت تلك الدول على المعرفة والمعلومات في بناء أنشطة اقتصادية وفكرية متطورة ساهمت في النمو الإنساني في مختلف المحاور.