هناك علاقة وثيقة بين النمو الاقتصادي والتحول الرقمي ويؤثر كل منهما على الآخر، وتعمل الدول العربية على تعزيز مؤشراتها الاقتصادية بشكل ملحوظ على مدار العقود الأخيرة، معتمدة في ذلك على استراتيجيات وأهداف ورؤى واضحة للمساهمة بشكل فعال في تحقيق النمو الاقتصادي وبالتالي نمو مختلف القطاعات الحيوية، ويعتبر التحول الرقمي أحد الآليات التي تعتمد عليها الدول في تحقيق النمو الاقتصادي إلا أن تطبيقه بنجاح يحتاج إلى توافر شروط عدة أبرزها وجود بنية تحتية قوية وتعليم جيد وتوافر الكوادر والخبرات البشرية القادرة على تحقيق التميز الإقليمي والدولي على مستوى الرفاهية الاجتماعية.

    مفهوم الاقتصاد الرقمي 

    عرفت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) الاقتصاد الرقمي بأنه الاقتصاد القائم على التقنيات الرقمية، ويتكون بشكل أساسي من عناصر عدة مثل البنية التحتية، والبرمجيات، والشبكات والأجهزة، إضافة إلى الآليات الرقمية التي يمكن عن طريقها إنجاز المعاملات الاقتصادية، وكل ما يتعلق بها بشكل كامل عبر الإنترنت، بينما عرفت “هارفارد بزنس ريفيو” الاقتصاد الرقمي، بأنه الاقتصاد القائم على كمية كبيرة من الاتصالات بين الأفراد والأجهزة المختلفة التي تتم بشكل يومي، وتتسبب في إنتاج معدلات ضخمة من البيانات والمعلومات التي تستخدم في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ويعد أول من ابتكر مصطلح الاقتصاد الرقمي الكاتب ورجل الأعمال الكندي “دون تابسكوت” عام 1995م، المدير التنفيذي لمجموعة “تابسكوت”، والمتحدث المتخصص في استراتيجيات الأعمال والتحول التنظيمي ودور التكنولوجيا في الأعمال والمجتمع.

      وتعد الثورة التقنية التي شهدها العالم في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات في القرن الماضي، أحد أبرز الأسباب التي دفعت عجلة الاقتصاد الرقمي نحو تعزيز مختلف القطاعات الاقتصادية وزيادة معدلات الإنتاج، وذلك عن طريق إجراء المعاملات بصورة لحظية ومن أي مكان، وكان لظهور تقنيات الجيل الرابع مثل البلوك تشين والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء دور كبير في تنامي دور الاقتصاد الرقمي خلال السنوات الماضية.

        الاقتصاد الرقمي في المنطقة العربية 

        تطور قطاع تقنية المعلومات والاتصالات بالمنطقة العربية تطورًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، خاصة الاستثمار في تحديث البنية التحتية على مستوى النطاقات الترددية لشبكات الإنترنت وشبكات الجيل الرابع والخامس، بالإضافة إلى توافر قاعدة كبيرة من مستخدمي الإنترنت ومستخدمي الهواتف الذكية، كما اتفقت الدول العربية تحت غطاء جامعة الدول العربية و”الإسكوا” على إنشاء الاستراتيجية العربية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات خلال الفترة بين أعوام 2007م و 2012م بهدف توسيع دائرة التعاون بين الدول العربية والمجتمع الدولي في مجال تقنية المعلومات، وتعزيز صناعة مجال تقنية المعلومات بهدف توفير المزيد من فرص العمل داخل هذا القطاع وتطوير مستوى خدمات تقنية المعلومات والاتصالات المقدمة للمواطنين.

        أثر التحول الرقمي بمنطقة الشرق الأوسط

        أشار التقرير الصادر عن البنك الدولي تحت عنوان “إيجابيات التكنولوجيا الرقمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: كيف يمكن أن يؤدي اعتماد التكنولوجيا الرقمية إلى تسريع وتيرة النمو وخلق فرص العمل” إلى أن الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية يؤدي إلى تسريع وتيرة النمو وخلق المزيد من فرص العمل، كما يساهم التحول إلى نظام اقتصادي رقمي بالكامل في منطقة الشرق الأوسط في زيادة نصيب الفرد الإجمالي من الناتج المحلي بنسبة تقدر بنحو 46% على مدى فترة زمنية تقدر بـ30 عام، وتقدر القيمة المتوقعة لمكاسب التحول الرقمي بنحو 1.6 تريليون دولار، وطبقًا للتقديرات الواردة في التقرير، يتوقع أن نزيد نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة بنسبة 20% خلال فترة زمنية تقدر بـ30 عام بما يعادل من 40 إلى 80 مليون امرأة خلال تلك الفترة، وستساهم زيادة نسبة العاملين في الصناعات التحويلية بحوالي 5% مما يوفر نحو 1.5 مليون فرصة عمل، وبالنسبة لمعدلات البطالة الاحتكاكية Frictional Unemployment فمن المتوقع أن تقل نسبتها من 7% – 10% على مدى السنوات الست القادمة.

        التحول الرقمي بالمملكة العربية السعودية 

        تشهد المملكة العربية السعودية تقدم ملحوظ في مجال التحول الرقمي، وحازت المملكة مؤخرًا على لقب أكثر الدول تنافسية في مجال التحول الرقمي من بين جميع أعضاء دول العشرين، حيث انتهجت المملكة أحدث الأساليب الحديثة في تسريع عملية التحول الرقمي داخل جميع أنحاء البلاد معتمدة في ذلك على الاستثمار في البنية التحتية من شبكات وأنظمة لاسلكية حديثة لتتناسب مع متطلبات العصر والاحتياجات الأساسية اللازمة لتسريع وتيرة التحول الرقمي، كما نجحت بالتعاون مع القطاع الخاص في توفير شبكة ألياف ضوئية لأكثر من 3.5 مليون منزل خلال جائحة كوفيد 19 وازدادت حركة الإنترنت بنسبة 30% كما زادت السرعة من 9 ميجا بايت/الثانية عام 2017م إلى نحو 109 ميجا بايت/الثانية في عام 2020م.