دائمًا ما كانت الصين ملجأ للشركات العالمية وخاصة الأمريكية باعتبارها مركز تصنيع عالمي، ومن النادر أن نجد منتجًا غير مصنوع كله أو أحد مكوناته في الصين، لما توفره من أيدي عاملة رخيصة مدربة، وخبرات كبيرة في مختلف المجالات التصنيعية، مما جعلها هدفًا لأغلب القوى الاستثمارية الكبرى لتحقيق أكبر المكاسب المالية والأرباح باستغلال إمكانات الصين التصنيعية الضخمة، وسنتعرف أكثر عن أسباب هذا التحول وإلى أي وجهة ستتجه تلك الشركات عبر الآتي.
الحرب التجارية
تتمتع الولايات المتحدة والصين بتاريخ تجاري معقد مُلِئ بالصفقات التجارية المتبادلة بداية من السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين إلى يومنا هذا في ظل الحرب التجارية المتصاعدة اليوم، ومما لا شك فيه أن للحرب التجارية الجارية الآن بين أمريكا والصين تأثيرًا على الاتجاه العالمي في نقل مراكز التصنيع إلى دول ومناطق أخرى، وبدأت أولى مظاهر الحرب بفرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية على منتجات صينية بقيمة 550 مليار دولار، وردّت الصين بشكل عاجل بفرض تعريفات جمركية على سلع أمريكية بقيمة 185 مليار دولار، وفقًا لتقارير “تشاينا بريفينج“.
وانعكست تلك القرارات التجارية على مشهد الشركات التي تعتمد بالكامل على مشهد التصنيع الصيني، والذي أدى إلى ارتفاع هائل في تكاليف التصنيع بسبب الرسوم الجمركية الجديدة، إضافة إلى ارتفاع الأجور، وللتخفيف من النفقات التي تفرضها التعريفات والحرب التجارية، لجأت الشركات نحو تنويع سلاسل التوريد التصنيعية الخاصة بها إلى دول أخرى في جنوب شرق آسيا وأيضًا عن طريق الاعتماد على خفض تكاليف النقل، ويؤدي تنويع سلسلة التوريد الخاصة إلى ظهور المزيد من التحديات والفرص الجديدة، وذلك لاختلاف قيمة المواد والعمالة والجودة والألوان باختلاف البلد المصنع مما يخلق بيئة أعمال معقدة جدًا ودقيقة للغاية.
أولى التحركات
أدت منظومة سلاسل التوريد عالميًا إلى تطور وزيادة حجم الإنتاج والتجارة بين دول العالم، ومنذ الستينيات ومع تطور سلاسل التوريد على مدى العقود الماضية، استطاعات الصين جذب العديد من الشركات، ولكن لم يستمر الأمر طويلًا حيث بدأت العلامات التجارية على مدى السنوات الأخيرة في نقل مقرات تصنيعها خارج الصين، وبدأت أولى تلك القرارات منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، خاصة للمنتجات التي تحتاج كثافة كبيرة من العمالة، وعلى سبيل المثال صناعة الأحذية، ففي عام 2006م كانت تنتج فيتنام 29% من أحذية “نايكي“، مقارنة بـ 31% في الصين، وظلت النسبة تنمو لصالح فيتنام حتى وصلت في عام 2017م إلى ما يقارب 50% من تصنيع الأحذية لصالح شركة “نايكي” بعد أن كانت الصين هي البلد المهيمنة على تصنيع الأحذية.
وليست شركة “نايكي” هي الوحيدة التي نقلت جزءًا من أعمالها إلى دول أخرى، بل قامت شركة الملابس والأحذية العملاقة المعروفة بـ“أديداس“، بإغلاق حوالي 25 % من مصنعها في الصين، بسبب الرسوم الجمركية الجديدة الناتجة عن الحرب التجارية العالمية، وبالتالي فإن الفرص مفتوحة للنظراء في فيتنام وتايلاند وبنغلاديش وإندونيسيا بفضل المزايا التي يقدموها لتلك الشركات.
وأوقفت شركة “سامسونج” تصنيع هواتفها الذكية في الصين منذ عام 2019م، كما أوقفت مصنع أجهزة التلفزيون والكمبيوتر الشخصي في عام 2020م، ويتركز حاليًا إنتاجها العالمي في فيتنام، حيث تعادل عائدات “سامسونج فيتنام” ما يقارب 20% و25% من إجمالي الناتج المحلي لفيتنام في عام 2021م، وتعد الشركة أيضًا مساهمًا رئيسيًا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من كوريا الجنوبية.
ولكن لا يعني هذا أن العلامات التجارية قد تتخلى نهائيًا عن التصنيع في الصين، ولكنها تهدف إلى تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها، وطبقًا لما قالته “جمعية صناعة الأزياء الأمريكية” أن هذا التطور يعكس الاتجاه العالمي ورغبته في إحداث تغيير في استراتيجية سلاسل التوريد المتبعة لتكون من استراتيجية China Plus Many إلى China Plus Vietnam Plus Many.
ويختلف تفضيل الدول لتكون مقرًا تصنيعيًا لتلك العلامات الشهيرة على أساس العديد من الجوانب المختلفة، ومنها على سبيل المثال، يعتبر التصنيع عالي العمالة هو الأكثر فعالية من حيث التكلفة في البلدان منخفضة الأجور، ويعتمد تصنيع الإلكترونيات على البنية التحتية الخاصة بالتكنولوجيا ومزايا الإنتاج كبيرة الحجم من البلدان التي لديها القدرة على الإنتاج الضخم، وقد يكون تنويع سلسلة التوريد الخاصة بالعلامات التجارية هو أفضل طريقة لتحقيق أقصى قدر من الأرباح والكفاءة.