شرع العالم في جهود رامية نحو التحول الأخضر، وهو الطريق الذي يوجهنا نحو عالم مستدام بيئيًا وصديقًا للمناخ، وهو أمر بالغ الأهمية ليس فقط للاستجابة لأزمة المناخ العالمية ولكن أيضًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر أو كما تعرف بالـ Sustainable Development goals، والتي تواجه في الوقت الحالي تحديات غير مسبوقة، نتيجة الوتيرة السريعة التي يشهدها العالم من آثار سلبية للتغيرات المناخية، وهي الظاهرة الناتجة عن سوء استخدام الموارد والتلوث البيئي وانبعاث الغازات الدفيئة، والتي أسهمت في تغير شكل ونمط الحياة على كوكب الأرض بل وعلى سياسات الحكومات والمؤسسات وأولوياتها، كما لا يخفى ذكر أنها ستكون سببًا لفقد الكثيرين لوظائفهم وبالتالي التأثير على سبل العيش.
وتعالت الأصوات التي تطالب بضرورة زيادة الاعتماد على آليات تطبيق الاقتصاد الأخضر، وزيادة مساهمة أنشطته في الناتج المحلي للدول، وبناء على ذلك ازدادت الحاجة إلى تطوير ونشر نوعية جديدة من المهارات والإمكانات التي تعرف عالميا بالمهارات الخضراء، والتي تعد أولى خطوات تحقيق مبادئ وأهداف الاقتصاد الأخضر، والمدخل الضروري لمواجهة ما يواجه العالم من تحديات ولا سيما التغيرات المناخية.
ومن هذا المنطلق، أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصية المؤتمر العالمي لوزراء الشباب المقام بلشبونة في أغسطس من عام 1998م، بإعلان 12 أغسطس من كل عام كيوم عالمي للشباب، وعلى مدار العقدين الماضيين من الاحتفالات بهذا اليوم العالمي، تناولت العديد من الموضوعات بالغة الأهمية التي تمس بشكل مباشر الشباب وما يواجهه من تحديات، تتمثل في تحديات الصحة العقلية والتضامن بين الأجيال والمساحات الآمنة للشباب والمشاركة المدنية، وتأتي نسخة هذا العام تحت عنوان “المهارات الخضراء للشباب”، لتسليط الضوء على مفهوم المهارات الخضراء، ولماذا يحتاجها العالم أكثر من أي وقت مضى.
مفهوم المهارات الخضراء
هي تلك المهارات التي تحقق الاستدامة البيئية للأنشطة الاقتصادية المختلفة والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وهي في مجملها جميع المهارات التي تساهم في الحد من التلوث والحفاظ على الموارد الطبيعية، ويمكن القول أنها القدرة على جعل الوظيفة أو المنتج الحالي أكثر استدامة بيئية، وعلى سبيل المثال، يمكن لشركة ما تعمل في مجال تصنيع الملابس الجاهزة أن تعتمد في خامتها على المزيد من المواد الصديقة للبيئة.
وترتبط المهارات الخضراء ارتباطًا وثيقًا بمستقبل كوكبنا والحاجة إلى التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتغذية سوق العمل بوظائف خضراء جديدة مثل وظائف إدارة النفايات، والتقنية الزراعية، والتصميم البيئي، وغيرها من الوظائف، التي تمنح الفرصة لمواجهة التحديات المناخية الملحة، ويحتاج خلق هذه الوظائف إلى المزيد من الأشخاص المسلحين بالمهارات الخضراء.
تصنيف المهارات الخضراء
لم تتفق الدراسات على تصنيف موحد للمهارات الخضراء، بل تنوعت التصنيفات من ورقة بحثية لأخرى، ولكن الشيء المشترك بين تلك التصنيفات هو كون المهارات الخضراء تضم مهارات تتعلق بالفرد ومهارات تتعلق بالبيئة المحيطة به، وأخيرًا مهارات تتعلق بالعمل أو الوظيفية التي يقوم بها الفرد في المجتمع، ويمكن تناول تلك المهارات بشيء من الإيجاز طبقًا للورقة البحثية المنشورة تحت عنوان “تنمية المهارات الخضراء: مدخل لتحقيق مفهوم الاستدامة” في الآتي:
– مهارات الفرد: هي المهارات التي تركز على الجانب الشخصي والعقلي للفرد، وقدرته على تطويع خبراته ومهاراته الحالية وتطويرها بشكل سريع، لتتناسب مع تغيرات سوق العمل ومتطلباته المتلاحقة، ويسهل تطويع تلك المهارات وفقًا لطبيعة المهنة التي يشغلها الفرد، ولكنها تشترك أغلبها في المهارات التقنية والرقمية، والوعي بالقضايا البيئية، والمهارات الشخصية التي تشمل التفكير النقدي وحل المشكلات، والمهارات المتعلقة بالتحول نحو مجتمعات صديقة للبيئة.
– مهارات سوق العمل: هي المهارات المتعلقة بالقدرة المستمرة على متابعة ما يحتاجه سوق العمل من تخصصات أو وظائف ومهارات جديدة، وإتقانها بشكل جيد لاستثمارها في مكان عملك الحالي، أو حتى لكي يسهل إمكانية التنقل من عمل لآخر في المستقبل.
– مهارات التفاعل مع البيئة: هي المهارات التي تكسب الفرد المرونة اللازمة في التفاعل مع التحديات المتعلقة بالبيئة واستنزاف الموارد الطبيعية، والعمل على مواجهتها بطريقة مناسبة، والقدرة على توفير مصدر طاقة نظيف لضمان استمرار تلك الموارد للأجيال القادمة.
ويمكن الاستخلاص مما سبق أن تنمية المهارات الخضراء ونشرها لم يصبح من سبل الرفاهية، بل أمر يجب تعميمه ونشره في جميع المراحل التعليمية وخاصة في المراحل المبكرة من التعليم، لما تحظى به المهارات الخضراء من اهتمام عالمي، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، يخصص يوم 28 من سبتمبر من كل عام للاحتفال بيوم المستهلك الأخضر، وذلك بهدف زيادة الوعي المجتمعي بأهمية المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية، إضافة إلى تضمين المهارات الخضراء ضمن الأهداف الأساسية لرؤية الاتحاد الأوروبي 2020م، واهتمام بعض الدول بتنفيذ مبادرات وبرامج متخصصة لنشر ثقافة الاستدامة والاقتصاد الأخضر بين مختلف فئات مجتمعاتها.
جهود المملكة في التحول نحو الاقتصاد الأخضر
تقدمت المملكة العربية السعودية في مؤشر المستقبل الأخضر لعام 2022م، الصادر من مجلة “إم آي تي تكنولوجي ريفيو” التابعة لمعهد ماساشوستس للتقنية، عشرة مراكز مقارنة بالعام الماضي 2021م، وجاء ذلك التقدم تتويجًا للجهود والبرامج والمبادرات التي قادها صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، التي كان من أبرزها الإعلان عن مبادرة “السعودية الخضراء” بقيمة تبلغ نحو 700 مليار ريال، إضافة إلى مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر”، وتعد المبادرتين بمثابة إحدى الركائز الرئيسية لرسم خارطة الطريق للوصول إلى مستهدفات المملكة الطموحة في مواجهة تحدي التغير المناخي.