حظيت الأسواق الناشئة بعد جائحة كوفيد-19 بترقب كبير من محللي واقتصادي العالم، لما هو ما معروف عن تلك الأسواق من حساسية وانعكاسات نتيجة التقلبات الاقتصادية التي تعرض لها العالم نتيجة الأزمات المتتابعة، وقبل أن تلقي جائحة كوفيد-19 بظلالها على العالم كان الاقتصاد العالمي يعاني من الهشاشة نتيجة تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والضغوط الاقتصادية الكلية في الأرجنتين وتركيا، والاضطرابات في قطاع صناعة السيارات في ألمانيا.

       وتتزامن تلك الاضطرابات مع تشديد سياسات الائتمان في الصين، وبعد الجائحة تعرضت بلدان الاقتصادات النامية لتقلبات اقتصادية ومالية، تسببت في إحداث نتوء دائم في أسواقها، وما أن لبثت تلك الأسواق في محاولة لإعادة ما تم خسارته خلال الجائحة، تعرضت تلك لهزة ثانية نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وما سببته من تسريع وتيرة التضخم في العالم، نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء والنفط.

         تحديات الأسواق الناشئة   

        تعيش الأسواق الناشئة حالة من التخبط والتقلب الشديد نتيجة تتابع الأزمات العالمية بداية من الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة مرورًا بالجائحة وما سببته من السياسات الشديدة التي اتبعتها الدول من إغلاق كلي وجزئي في تضرر سلاسل الإمداد، خاصة الصين التي اتبعت سياسة قاسية لمحاصرة انتشار فيروس كورونا، وما أن لبث العالم يستفيق من تلك الأزمات المتتابعة، ألقت الأزمة الروسية الأوكرانية بظلالها على العالم وما سببته من ارتفاع في أسعار النفط والغذاء، وهو ما ساهم في زيادة فاتورة الغذاء على الدول النامية وفي بعض المناطق أصبحت مستويات انعدام الأمن الغذائي في خطر، وهو ما تذكره باستمرار أغلب المنظمات والجهات الدولية المعنية بهذا الشأن في أغلب تقاريرها وهو ما يوضح الأثر البارز للأزمات المتتابعة.

           ويشير التقرير العالمي حول الأزمات الغذائية الصادر عام 2023م إلى أن 258 مليون شخص في 58 دولة أو إقليم واجهوا أزمة أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2022م، وواجه بعض السكان المتضررين مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، مما يشير إلى خطر المجاعة والمستويات الحرجة للغاية لسوء التغذية في العديد من المناطق والبلدان.

            ومن ناحية أخرى أشارت تقارير أخرى إلى أن الأسواق الناشئة ستكون في حاجة إلى تمويل كبير لمساعدتها على تطوير قطاعات زراعية مقاومة للكوارث، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن المركز العالمي للتكيف في عام 2021م، وستحتاج جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا إلى 15 مليار دولار في الاستثمار السنوي لتبني أنظمة غذائية وزراعية قادرة على التكيف مع تغير المناخ ومشاكل سلاسل الإمداد التي يعاني منها العالم في الفترة الراهنة.

              فرص الأسواق الناشئة   

              وعلى صعيد الفرص، عادت تدفقات أموال المستثمرين إلى الأسواق الناشئة (EM) في عام 2023م وفقًا لـ(EPFR Global)، حيث تم استثمار أكثر من 39 مليار دولار أمريكي في أسهم الأسواق الناشئة منذ بداية العام وحتى الآن، و 2 مليار دولار أمريكي متواضعة في الأسواق الناشئة الثابتة ويرجع ذلك المحللون إلى اتساع فارق النمو لصالح الأسواق الناشئة على الأسواق المتقدمة (DM) بشكل ملحوظ، في حين تعتقد المؤسسة الكندية (RBC) لإدارة الثروات، أن الاستثمار في أذون الدخل الثابت يمثل أكثر فرص الأسواق الناشئة جاذبية للمستثمرين، وذلك لأن السياسية النقدية في هذه البلدان يتم تخفيفها بشكل تدريجي طبقًا لقدرة كل دولة وموقفها الاقتصادي والمالي.

                 ويمكن القول أن الأسواق والاقتصادات الناشئة هي من أكثر الأسواق ديناميكية وتغيرًا في العالم، وخاصة فئة الأصول التي غالبًا ما تكون في حالة تقلب دائم، إلا أنها يمكن أن تقدم أيضًا فرصًا استثمارية مميزة عن طريق استبدال محركات النمو التقليدية للسلع الأساسية والتصنيع والصادرات غير المكلفة بالاستهلاك المحلي والتكنولوجيا والخدمات، مما قد يفتح الباب أمام نمو أكثر اتساعًا واستدامة في تلك الأسواق خصوصًا في الحالة الاقتصادية والمالية التي يعيشها العالم.