تختلف الصين عن غيرها من بلاد العالم تقريبًا في كل شيء، بداية من التقاليد والاختراعات وغيرها من الأشياء التي غيرت وجه العالم إلى الأبد، وعلى سبيل المثال اختراع الورق الذي يعرف كواحد من أهم الاختراعات الصينية على مر العصور منذ سنة 105 بعد الميلاد، والانتقال إلى أوروبا عن طريق التجارة، وتطور تأثيرها حول العالم من خلال تدوين وانتشار المعلومات، وكذلك مادة “البارود” التي تعد أيضًا واحدة من الاختراعات التي كانت سببًا مباشرًا في إنهاء حياة الكثير من البشر وتشكيل وظهور قوى العالم، والتي تم اكتشافها عن طريق الصدفة عند محاولة الوصول إلى إكسير الحياة، مما يدفع إلى إلقاء نظرة على النموذج الاقتصادي الصيني وأهم محطات نجاحه وتطوره.

    الأزمة

    تعد الحضارة الصينية واحدة من أقدم الحضارات العريقة التي عرفتها البشرية على مر التاريخ، وامتد تأثير الحضارة الصينية واتصالها بغيرها من الحضارات من المشرق إلى المغرب، كما استمرت في التطور والنمو وتتابعت عدة ثورات حتى وصلت إلى ما عليه اليوم، لكن البداية من حقبة الخمسينات.

      تعرضت الصين في فترة الخمسينات من القرن الماضي إلى أزمة إنسانية كبرى وهي مجاعة الصين “الكبرى” والتي كانت بين عامي 1959م إلى 1961م، ووصفت بأنها واحدة من أشد الكوارث الإنسانية التي مرت على العالم حيث وصل العدد الإجمالي لضحايا المجاعة إلى نحو 51 مليون قتيل وتشير بعض المراجع إلى أكثر من ذلك الرقم. ويرجع السبب في تلك الأزمة إلى السياسات التي انتهجتها الصين في ذلك الوقت والتي كانت تسمى بسياسات “حملة القفز العظيمة للأمام”، والتي كان هدفها تطوير الصناعة الصينية لمواكبة ما وصل إليه الغرب من تقدم، ويرجع سبب المجاعة الرئيسي إلى وجود سياسات خاطئة في حملة الإصلاح الاقتصادي الصينية، وأيضًا للكوارث الطبيعية التي تعرضت لها الصين في ذلك الوقت دور في اشتعال الأزمة مثل أزمة الكوارث، والتي ساهمت في قتل ما يقرب من 30% من ضحايا تلك الفترة، وفقًا لما صرح به السياسي الصيني “ليو شاوتشي” في مؤتمر الكوادر السبعة آلاف الذي عقد في أوائل عام 1962م.

          الانطلاقة 

          بعد فترة من الصراعات والحروب الأهلية انتهت فترة حكم الزعيم “ماو تسي تونغ” بوفاته عام  1976م، وبدأت فترة الزعيم “دنغ شياوبينغ” والتي كانت بداية تحول الصين من دول معزولة عن العالم إلى واحدة من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، وبدأت تلك الفترة بوضع سياسات جديدة كانت سببًا في دفع الاقتصاد الصيني إلى الأمام، بعد أن كانت دولة اشتراكية الاتجاه حيث ورثت من الاتحاد السوفيتي نموذج بناء الاقتصاد الذي يعتمد في الأساس على التخطيط وإدارة الاقتصاد بشكل مركزي مع تجاهل دور السوق في تنظيم الاقتصاد.

              وهنا جاء دور الزعيم “دنغ شياوبينغ” في ضرورة تطبيق نظام اقتصاد السوق في ظل الفكر الاشتراكي، ورأى أنه يمكنه تطبيقه وليس حكرًا على النظام الرأسمالي فقط، وتطبيقًا لذلك قام بإنشاء 4 مناطق اقتصادية كبرى في 4 مناطق صينية ساحلية كنموذج مصغر لما تريد الصين تطبيقه على مستوى كبير، ومن المثير أن تلك المناطق حققت نموًا اقتصاديًا عاليًا وازدهرت المجتمعات المحيطة بتلك المناطق ونمى السوق بها في وقت قصير، وظلت تلك المناطق بالنمو والتوسع تدريجيًا.

                وفي تلك الفترة فتحت الصين أبوابها أمام الاستثمارات الأجنبية وتدفقت الأموال إلى أراضيها، والمشاريع الاستثمارية مستغلة ميزة الأيدي العاملة الرخيصة وانخفاض تكلفة الأراضي، ووثقت علاقتها مع الولايات المتحدة إلى أن بلغت معدلات نمو الصين أرقام قياسية، وانضمت بعد ذلك إلى منظمة التجارة العالمية.

                  الاقتصاد الصيني في أرقام 

                  ارتفع إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للصين حتى وصل عام 1985م إلى نحو 310 مليار، واستمر في الزيادة إلى نحو 17.4 تريليون دولار عام 2021م، ومن المتوقع أن يزيد ليصل إلى 29.1 تريليون دولار بحلول عام 2027م، وفقًا لما ورد عن منصة Statista. ويبلغ إجمالي أعداد القوى العاملة بالصين نحو 783.92 مليون شخص بحسب إحصائيات عام 2020م، وتبلغ نسبة البطالة لعام 2020م نحو 4.24% ومن المتوقع أن تنخفض لتصل إلى نحو 3.6% بحلول عام 2027م، وقدر حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المخصصة للصين سنويًا بنحو 149.34 مليار دولار وذلك في عام 2020م وتم زيادة حجم الاستثمارات المباشرة لتصل إلى 180.96 مليار دولار في عام 2021م، وتركزت أغلب تلك الاستثمارات في قطاع التصنيع، ويليه قطاع خدمات التأجير والأعمال، وأخيرًا القطاع العقاري.

                    وقدر حجم الاستثمارات الصينية الخارجية في دول العالم المختلفة بنحو 153.71 مليار دولار وذلك في عام 2020م وانخفضت حجم تلك الاستثمارات في عام 2021م لتصل إلى نحو 145.19 مليار دولار، أما عن حجم التجارة الدولية فقد حققت الواردات والصادرات الصينية ما يقارب 6.5 تريليون دولار عام 2021م، وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول في قائمة الدول المستقبلة للصادرات الصينية، تليها دول الاتحاد الأوروبي، وتتبعها مجموعة الدول الآسيوية ASEAN، وفقًا لما ورد عن منصة Statistia.