تصاعدت التقنية ونموها وتأثيرها في مختلف القطاعات خلال العصر الحالي، ومنذ بداية الحياة دمجت الكثير من الصور الحياتية والأفعال البشرية في تلك التقنيات مستهدفة تسهيل الحياة الإنسانية بشكل عام، ودومًا ما يسعى الإنسان إلى ابتكار الحلول وإدخال الكثير منها في التعاملات اليومية، ولا يمكن قطعًا حصر الأمثلة التي طبقت هذا الاندماج، وتعد من أشكالها التقنية المالية وغيرها من القطاعات الاستثمارية مثل الصحة والتعليم، والقطاع العقاري الذي نتناوله في هذا المقال.
إلى أي مدى وصلت التقنية المالية؟
كانت التقنية المالية محور اهتمام وحديث الكثير من الخبراء ورواد أعمال خلال العام الماضي، وهو ما تظهره الأرقام التي نشرتها TechCrunch نقلًا عن بيانات سابقة لـ CB Insights، وهو ارتفاع تمويل رأس المال الاستثماري العالمي ليصل إلى 621 مليار دولار في عام 2021م مقارنة بنحو 294 مليار دولار في عام 2020م، أما الاستثمار في قطاع التقنية المالية وحده فقد ارتفع إلى 131.5 مليار دولار من خلال 4969 صفقة مقارنة بنحو 49 مليار دولار مستثمرة من خلال 3491 صفقة خلال 2020م.
وبلغت قيمة الاستثمارات لشركات التقنية المالية خلال مايو 2022م في الشرق الأوسط نحو 176 مليون دولار أمريكي تحققت من خلال 42 صفقة، بارتفاع نسبته 62.7% مقارنة بالعام بنفس الفترة العام الماضي طبقًا لما نشرته منصة “ومضة”.
تأثير التقنية المالية على القطاع العقاري
تُغير التقنية المالية الطريقة التي تتم بها العديد من الأشياء مثل الخدمات المصرفية، وإجراء المدفوعات وحتى الاستثمار، ومن الملاحظ ازدياد تأثيرها مؤخرًا على القطاع العقاري، علمًا بأن المعاملات المالية التي تتم في القطاع العقاري تكون أكبر بكثير من المعاملات الأخرى التي تستهدفها التقنية المالية في الأساس، مما ينذر بضرورة تغير الطريقة التي يتعامل بها مع العقارات.
أشارت شركة “ديلويت” إلى واحدة من تلك التأثيرات في أحد تقاريرها المنشورة التي تضمن أن المنصات التي تعمل بتقنية “البلوك تشين” ستتولى في المستقبل العديد من المهام الخاصة بتوثيق الأوراق القانونية، وخدمات الدفع وغيرها من الخدمات التي ستمكن كل من البائع والمشتري على توفير أمواله، نتيجة التخلي عن العمولات والرسوم المفروضة التي تكون مفروضة عادة في الطرق التقليدية.
وعلى الجانب الآخر توفر التقنية المالية في القطاع العقاري عدة فرص وخدمات مثل:
- التقنية العقارية ProbTech: تعد مشكلة نقص التمويل اللازم واحدة من أهم التحديات التي تواجه المستثمرين العقاريين، ولذا تعمل التقنية المالية على توفير حل لهذه المشكلة عن طريق عمليات الإقراض، وعندما يكون الإقراض صادر من شركة تقنية مالية سواء كان ذلك الائتمان لفرد أو لشركة وكان الهدف الرئيسي منه هو شراء عقار، يكون ذلك تحت نطاق الـProbTech، وفقًا لما ورد عن منصة “فوربس”.
- عرض بيانات الملكية العقارية بشكل تفاعلي: يساعد هذا العرض المستثمرين والمهنيين العقاريين على تتبع عمليات الشراء في الوقت الفعلي باستخدام تقنية “البلوك تشين” مما يساعد فى القضاء على التلاعب بأسعار السوق، إضافة إلى مساعدة المطورين على الوصول إلى بيانات المجتمع المحلي وتوقعات السوق وبيانات استخدام الأراضي لفهم احتمالات البيع والشراء.
- إدارة المخاطر: تُعرف إدارة المخاطر في القطاع العقاري بالقدرة على التنبؤ بالتهديدات والتقييم المستمر للقطاع العقاري، وذلك لكون جوهر الاستثمار العقاري هو إبقاء المخاطرة عند الحد الأدنى، وغالبًا ما يواجه مستثمرو القطاع العقاري نوعين من المخاطرة النوع الأول: المخاطرة التي تكون عادة بسبب الكوارث الطبيعية، أما النوع الثاني: فيحدث نتيجة الأنشطة البشرية مثل السياسات والقوانين الحكومية، وهنا تتدخل شركات التقنية المالية للمساعدة في تخفيف هذه المخاطر غير المنهجية، وذلك عن طريق إنشاء برامج لتحليل حجم مخاطر المحفظة التي تعمل على جمع البيانات الضخمة وتخزينها وتحليلها والخروج منها باستنتاجات ورؤى تخص القطاع العقاري بالاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي.
أبرز التحديات التي تواجه التقنية المالية في الشرق الأوسط
شهدت التقنية المالية العديد من تحديات النمو خلال فترة جائحة كوفيد-19، خاصة فيما يتعلق بالمخاوف من استخدام التقنية المالية في الأعمال غير القانونية، إضافة إلى مخاوف إساءة استخدام بيانات العملاء لتحقيق الأرباح، عوضًا عن المخاطر المتعلقة بالهجمات السيبرانية على حسابات العملاء، ولذا أكدت الأمم المتحدة على ضرورة انخراط شركات التقنية المالية بشكل كبير في التكوينات الخوارزمية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإزالة المحتوى المتعلق بالجرائم الإلكترونية وتمويل الإرهاب، وذلك وفقًا للورقة البحثية الصادرة عن مؤسسة Springer تحت عنوان: تحديات وآفاق النمو المستقبلية للتقنية المالية خلال جائحة كوفيد-19 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.