تخطى الاعتماد على قطاع الاتصالات من مجرد وسيلة للبحث عن المعلومات والتواصل بين الأفراد والمنظمات إلى التطور السريع الذي نشهده في قطاع الخدمات المالية الرقمية، والذي زادت وتيرته في ظل جائحة كورونا، وأصبح المحور الذي تعتمد عليه الحكومات والمنظمات والشركات والأفراد لضمان استمرارية النشاط الاقتصادي في ظل القيود الاجتماعية والاقتصادية التي فرضتها الجائحة على العالم بمختلف قطاعاته الحيوية.
ومع الاعتماد الكبير على الخدمات المالية الإلكترونية والنجاح الساحق الذي حققه قطاع التقنية المالية في العالم وفي منطقتنا العربية بشكل خاص، بلغ إجمالي قيمة الاستثمارات التي حصلت عليها الشركات الناشئة في قطاع التقنية المالية نحو 210 مليار دولار أمريكي عبر 5684 صفقة قياسية وذلك في عام 2021م، بزيادة قدرها 125 مليار دولار أمريكي عبر 3674 صفقة في عام 2020م، وحظي مجال المدفوعات بالاهتمام الأكبر في التقنية المالية في عام 2021م، حيث بلغت استثماراته 51.7 مليار دولار أمريكي على مستوى العالم، وفقًا لما ورد عن شركة KPMG.
استخدام العملات المشفرة كوسيلة للدفع
أظهرت الإحصائيات أن متوسط مالكي العملات المشفرة يبلغ نحو 420 مليون مستخدم تشفير في جميع أنحاء العالم بنسبة تقدر بنحو 4.2% من إجمالي سكان العالم طبقًا لإحصائيات موقع Triple A، وبلغ حجم القيمة السوقية للعملات المشفرة نحو 1.15 تريليون دولار أمريكي في أكتوبر 2021، وتستحوذ عملة البيتكوين على النسبة الأكبر بنحو47% من إجمالي القيمة السوقية للعملات المشفرة في عام 2021م.
وجدير بالذكر أن سعر البتكوين قد سجل بين عامي 2015م و2023م ارتفاعًا بأكثر من 173000%، وقد وصل أعلى معدل نمو سنوي لعملة البيتكوين خلال تلك الفترة نحو 60 % وكان ذلك في عام 2021م، ومن المتوقع أن ينمو سوق العملات الرقمية بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 56.4% من 2019م إلى 2025م، وبناء على تلك الزيادة وارتفاع معدلات النمو، يرى أكثر من 85% من أصحاب الأعمال التجارية في الولايات المتحدة أن تمكين المدفوعات المشفرة يمثل أولوية قصوى بالنسبة لهم، حيث شهدت الأعمال التجارية التي سمحت بقبول العملات المشفرة كوسيلة للدفع متوسط عائد استثماري بلغ 327% وزيادة تصل إلى 40% من حجم العملاء الجدد.
يقدر متوسط إنفاق العملاء الذين يستخدمون العملات المشفرة حوالي 250 دولار لكل معاملة في المتوسط مقارنة بما ينفقه العميل العادي، وبالنسبة لاستخدام العملات المشفرة كوسيلة للدفع في أسواق الألعاب الإلكترونية، حيث استخدم حوالي 25.1% من مالكي العملات المشفرة العملات المشفرة المختلفة لإجراء عمليات شراء الألعاب عبر الإنترنت في عام 2021م، طبقًا لموقع Triple A لتحليلات العملات المشفرة.
تحديات السياسة النقدية
زادت الأزمة المالية العالمية وعمليات إنقاذ المؤسسات المالية الرئيسية من الشكوك حول إذا كان في الإمكان بعض الأرجاء إزاء احتكار البنوك المركزية لإصدار العملة، وازدادت هذه الشكوك خلال ظهور العملات المشفرة مثل البتكوين وغيرها من الأصول المشفرة التي فرضت تحديات أمام نموذج العملات التقليدي بل والنظام المالي التقليدي كله الذي تدعمه الدول والدور المهيمن للبنوك المركزية والمؤسسات التقليدية في النظام المالي.
ومن التحديات والمخاوف التي اتفق عليها الاقتصاديون مدى قدرة البنوك المركزية في المستقبل على التحكم في أسعار الفائدة مع زيادة الاعتماد والطلب على العملات الرقمية بأنواعها المختلفة وتراجع الطلب على أموال البنوك المركزية، مما يخفض من قدرة البنوك على تحديد أسعار الفائدة خاصة قصيرة الأجل، وبالتالي تمثل العملات الرقمية تهديدًا مباشرًا وحِرمانًا لدور البنوك المركزية في تنفيذ سياستها النقدية، مما يتطلب من الحكومات والبنوك المركزية إعادة النظر في الآليات والقوانين المبتكرة والجديدة التي تتماشى مع هذه التحديات.
حلول مطروحة
يرى بعض الخبراء أن على البنوك المركزية بيع وشراء كميات كبيرة من العملات الرقمية في سبيل التسوية وخلق التوزان بين العرض والطلب على هذه العملات، وبالتالي تستطيع التحكم في أسعار الفائدة، وترى جماعات اقتصادية أخرى أن التحدي للبنوك المركزية في وقتنا الحالي يجب أن يتركز على جذب الناس إلى العملات الورقية التقليدية أكثر لتكون وحدات حساب أفضل وابتكارية وأكثر استقرارا لتواكب متطلبات العصر الحالي، وفقًا لما قالته المدير العالم لصندوق النقد الدولي في كلمتها أمام بنك إنجلترا في عام 2017م.
وللمزيد حول العملات الرقمية والمشفرة، يمكنك الاستماع إلى حلقة “العملات المشفرة” من بودكاست أوشن إكس إنسايت، أو الاطلاع على تقرير “العملات المشفرة” من أوشن إكس إنسايت.