يزداد التحول إلى العمل عن بُعد في المنظمات يومًا بعد يوم، وربما زادت جائحة كورونا وتبعاتها من معدلات تطبيقه بنسبة كبيرة لدى المنظمات، لكنها ليست وحدها المتسببة في ذلك، بل ساهمت التطورات التقنية والأدوات الرقمية في انتشاره وفقًا لما أعلنته منظمة التعاون الاقتصادي عام 2015م، مما خلق ضرورة مُلحة تجاه وجود آلية وضوابط تنظم اختلاف ظروف العمل عن بُعد بين المنظمات والموظفين.

ورصدت منظمة العمل الدولية (ILO) أن هناك نمو في معدلات العمل عن بُعد سواء من المنزل أو المتنقل، والتي بلغت 30% أو أكثر في دول الدنمارك وهولندا والسويد، نظير 10% في جمهورية التشيك، واليونان وإيطاليا وبولندا، كما تعمل نحو 20% من القوى العاملة عن بُعد بشكل منتظم في الولايات المتحدة الأمريكية، و16% في اليابان، وفقًا لتقرير (يورو فوند ومنظمة العمل الدولية، 2017م).

ويمكن أن تساهم الضوابط التالية في تنظيم ظروف العمل بالشكل المرضي لطرفي العمل، والذي يضمن تنفيذ المهام بكفاءة وعدم الإخلال بالمسؤوليات الخاصة بكل طرف في علاقة العمل. 

1- فهم التحديات الشائعة للعمل عن بُعد

يواجه أصحاب الأعمال عند إدارة قوة عاملة عن بُعد 3 تحديات رئيسية هي:

  • عدم مقابلة زملاء العمل والمشرفين وجهًا لوجه حيث تعكس اللقاءات بين أطراف علاقة العمل وجهًا لوجه التفاعل ورد الفعل على القرارات والحالة المزاجية وتساهم في معالجة الإحباطات المتزايدة بشكل استباقي، كما تسهل اللقاءات قياس الإنتاجية والأداء حال عدم تحديدها بشكل مسبق، ويشعر أعضاء الفريق العاملين عن بُعد بالتوتر في فترات التغييرات نتيجة غياب التواصل الشخصي.
  • تعطل الاتصالات و الاختناقات ويعد تسلم الرسائل الرقمية (البريد الإلكتروني والنصوص) دون أن يلاحظها أحد أو يتم إغفالها نتيجة ضغوط العمل مثال على ذلك، ويمكن أن يؤدي تراكم الرسائل الخاصة بالمهام العملية التي لم يتم الرد عليها إلى إبطاء التقدم وإحباط فريق العمل، كما يمكن أن تتأثر الدقة مقارنة بالفوارق الدقيقة الموجودة في التفاعلات الشخصية في الردود الرقمية المتسرعة بين العاملين عن بُعد.
  • الانحرافات والأجواء المحيطة حيث تشهد منطقة العمل عن بُعد في بعض الأحيان حدوث بعض عوامل التشتيت مثل وجود الأصوات المزعجة خلال اللقاءات الجماعية، لذا يجب اختيار المكان الذي يضمن أداء المهام بكفاءة، علمًا بأن بعض المشوشات قد تحدث في المكاتب وأماكن العمل أيضًا.

2- وضع معايير إنتاجية واضحة للعمل عن بُعد

تختلف معايير الإنتاجية لكل موظف حسب طبيعة الوظيفة، ويُفضل منح الموظف مرونة وحرية اختيار العمل على تنفيذ مهام محددة لفترة معينة أو العمل لساعات محددة طالما لم يخل بمتطلبات أداء المهام الوظيفية بكفاءة وجودة، ويمكن تحديد ثوابت للالتزام بها مثل حضور الاجتماعات الجماعية المعلومة والمحددة مسبقًا والرد على رسائل البريد الإلكتروني، ويكفل تحديد تلك المعايير إمكانية توثيقها وتحديد الاتجاهات التي تحتاج إلى معالجة بشكل مسبق، والتعرف على العوامل المؤثرة على الإنتاجية.

3- تحديد وتوفير الأدوات المطلوبة

يمثل تحديد وتوفير الأدوات المطلوبة أحد عوامل نجاح إدارة الموظفين عن بُعد، حيث تسهل الأدوات أداء المهام حسب الحاجة، وربما اضُطر بعض القادة نتيجة لظروف مثلما حدث خلال فترة ذروة الجائحة إلى تسهيل الانتقال إلى العمل عن بُعد ووضعه ضمن خطط المنظمات وهياكلها الوظيفية.

4- تخصيص أيام وأوقات وطرق محددة للتفاعل الجماعي

تعزز التفاعلات غير الرسمية في مكان العمل روح الزمالة والعمل الجماعي، ويعمل المديرون الجيدون على تعزيز التفاعل بين الموظفين عن بُعد وفي المقار ويخلقون الفرص لإشراك الجميع في أنشطة الفريق والمناقشات كلما أمكن ذلك، وتعد رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الفورية ومكالمات الهاتف أو الفيديو ضرورية للتفاعل عن بُعد، كما يُفضل أن يرسل الموظفون بريد إلكتروني أسبوعي يوضح ما يعملون عليه مع الإشارة إلى المواعيد النهائية لتسليم المهام. 

ويفيد العمل على تحديث تقويمات يوم العمل باستمرار ووجود إشعارات مثل “بالخارج” على البرامج وردود البريد الإلكتروني خارج المكتب خلال ساعات العمل العادية، حيث تساعد تلك الأشياء على تقليل المخاطر والإحباطات المرتبطة بالتواصل والتفاعل، وكذلك الاجتماعات التي تشهد التفاعلات الجماعية للفريق عبر الإنترنت يمكن أن تفيد، لكن يتطلب عند تنظيمها الحرص على بعض الأمور البسيطة مثل وضع أجندة واضحة والتعريف بالحضور وكتم صوت المايك لغير المتحدثين.

5- المتابعة مع الموظفين عن بُعد بانتظام

تُعزز المكالمات الفردية والتواصل مع أعضاء فريق العمل عن بُعد من التواصل ولا يشترط أن تكون لمتابعة الإنتاجية فقط بل لتحفيزهم ومشاركتهم، وتساعد تلك المكالمات سواء كانت يومية أو أسبوعية أو نصف شهرية المدير في تقييم جودة عمل الموظف والتعرف على مشكلاته ومناقشة حلولها والتعريف بخطط التطور الوظيفي والمهني للموظف، وتختلف الحاجة ومعدلات القيام بتلك المكالمات بناء على طبيعة كل موظف في الفريق.

6- مشاركة نصائح ومقترحات الموظفين الآخرين عن بُعد

تُفيد مشاركة نصائح الموظفين الآخرين الذين سبق عملهم عن بُعد ولديهم خبرة في ذلك زملائهم في المنظمة، ويمكن مشاركة هذه المقترحات عبر ملفات PDF أو مقاطع الفيديو القصيرة أو مكالمات الفيديو غير الرسمية للأسئلة والأجوبة، وربما تشمل تلك النصائح كيفية الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة أثناء العمل عن بُعد، وأفكار لإدارة الوقت، وربما بعض التفضيلات الشخصية مثل المطاعم المحلية المفضلة التي تقدم خدمة توصيل الأطعمة.

7- الموظف العامل عن بُعد لا يعني الأرخص

ينظر أصحاب الأعمال إلى الميزانيات في المقام الأول عند التفكير في العمل عن بُعد، ويعتبرون أن تقليص مساحة المكتب والتحول لعمل عن بُعد قد يقلص النفقات، وربما يحدث ذلك لكن قد تتكبد المنظمة تكلفة سفر الموظف إلى مقرها مرة كل ربع سنة أو أكثر، وقد تحتاج إلى الاستثمار في برامج جديدة أو مطورة أو أجهزة إضافية لتجهيز الموظفين عن بُعد بشكل صحيح، وقد يكون الموظف عن بُعد أكثر إنتاجية عن العاملين في المقار والمكاتب إذا توفرت له سبل ومقومات النجاح والتحفيز.