يعيش العالم الآن ظروفًا اقتصادية تعصف بجميع البلدان لكنها أشد وطأة على البلدان النامية، وبعد أن أخذ العالم يخطو أولى الخطوات تجاه تعافيه من الآثار السلبية التي خلفتها جائحة كوفيد-19، عاد الاقتصاد العالمي ليئن مرة ثانية نتيجة لتأثرات الحرب الروسية الأوكرانية والتي تعد إيجابية لبعض الدول وسلبية للبعض الأخر، والتي تتمثل في تسريع معدلات التضخم وترفع بشكل خاص أسعار المواد الغذائية.
وبحسب تنبؤات صندوق النقد الدولي الصادرة عن تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، ارتفعت معدلات التضخم العالمية من 4.7% في عام 2021م إلى 8.8% في 2022م لتتراجع لاحقًا إلى 6.5% بنهاية عام 2023م، ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 4.1% في بحلول عام 2024م، ولكن اللافت للانتباه أن بعض الدول في العالم استطاعت مقاومة معدلات التضخم المرتفعة مثل دولة “سويسرا” ولذا سنتطرق في هذا المقال عن الأسباب وراء ذلك.
الحالة الاقتصادية
بلغ إجمالي الناتج المحلي لسويسرا نحو 800.6 مليار دولار بنهاية عام 2021م وفقًا للبيانات الصادرة من البنك الدولي، وتوقعت “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا بنسبة 0.6% في عام 2023م وبنسبة 1.4% في عام 2024م.
وتمرُّ سويسرا كغيرها من دول العالم بآثار سلبية نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أثر على مستويات الطلب العالمية على المنتجات والخدمات السويسرية، مما أدى إلى تباطؤ معدلات التجارة والاستثمار، وانخفاض معدلات الاستهلاك، وتزامنت تلك التأثيرات السلبية مع ارتفاع أسعار الكهرباء والأجور مما يبقي التضخم الرئيسي فوق النطاق المستهدف للبنك الوطني السويسري في عام 2023م.
ومن المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم السنوي نحو 2.6% في عام 2023م و2% في 2024م و2.1% في عام 2025م، وفقًا لتوقعات جديدة للبنك الوطني السويسري، وتأتي الزيادة الأخيرة في معدلات أعلى بكثير من النطاق المستهدف لمعدلات التضخم التي حددها البنك الوطني السويسري والتي تقع بين 0% و2%، في وقت وصلت فيه معدلات التضخم في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية نحو 9.1% والمملكة المتحدة نحو 11.1% ومنطقة اليورو نحو 10.6%.
لماذا يعد معدل التضخم في سويسرا منخفضًا نسبيًا مقارنة بباقي الدول؟
تعد سويسرا واحدة من أغنى دول العالم، حيث يفوق نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نظيره في الاقتصادات الكبرى الأخرى، وعلى سبيل المثال الولايات المتحدة واليابان وألمانيا، كما أنها موطن لبعض أغنى المواطنين في العالم، بثروة تبلغ 696,604 ألف دولار أمريكي لكل شخص بالغ، وترتفع تكلفة المعيشة لتتناسب مع الدخل المرتفع.
وحافظت مدينتا زيورخ وجنيف السويسرية على موقعها كواحدة من بين أغلى 10 مدن في العالم العام الماضي، وفقًا لتقديرات وحدة المعلومات الاقتصادية بمجلة “إيكونوميست” البريطانية، وذلك في ظل الوقت الحالي الذي أدت فيه زيادة معدلات التضخم إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في أماكن أخرى باهظة الثمن، مثل مدينتي سنغافورة ونيويورك، ونتيجة لذلك تعد سويسرا من أقل الدول تأثرًا بارتفاع الأسعار خاصة فيما يتعلق بالضروريات مثل الطعام.
إضافة إلى مستوى الدخل المرتفع، تتمتع العملة السويسرية “الفرانك” بقوة وثبات نسبي مقارنة بباقي عملات العالم، حيث ظل الفرنك السويسري ثابتًا وسط التقلبات التي شهدتها باقي العملات أمام الدولار الأمريكي، نظرًا للدعم الذي يحظى به “الفرانك” السويسري بشكل كبير من خلال احتياطي كبير من الذهب والسندات والأصول المالية، مما يساعد البنك الوطني السويسري على ضمان استقرار العملة في أوقات التقلبات العنيفة.
وتمتلك سويسرا مصادر متعددة للطاقة تجعلها أقل عرضة لبعض العوامل الخارجية التي دفعت الأسعار إلى الارتفاع في عام 2022م كالحرب الروسية الأوكرانية وانخفاض الطلب على النفط خلال جائحة كوفيد-19، وخلال عام 2022م ارتفعت أسعار الطاقة في سويسرا بمعدل 16.2% أي أقل من المستويات التي واجهتها دول مثل ألمانيا التي ارتفعت بها أسعار الطاقة إلى نحو 25% وهولندا بنحو 30% والمملكة المتحدة بنحو 52.4% وإيطاليا بنحو 64.7%، وتمتلك سويسرا إلى جانب الطاقة أيضًا ضوابط صارمة على أسعار السلع والخدمات، مما يجعلها أيضًا أقل عرضة للتقلبات الناجمة عن التضخم.