ثورة من نوع جديد خلقها الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، تلك التقنية التي باتت تتقدم وتندمج بشكل ملحوظ في مختلف القطاعات والمجالات والمهام يومًا بعد يوم، لكنها أيضًا تزيد وتثير مع انتشارها المخاوف حولها، نظرًا لأن تلك التقنية أتاحت القيام ببعض المهام التي كان القيام بها مقتصرًا على البشر، مما قد يهدد فرص استمرار سبل الدخل لبعض الممتهنين لتلك المهن التي طالتها تقنياتالتعلم العميقالتي يعتمد عليها تطور الذكاء الاصطناعي، ورغم ذلك هناك بعض المجالات التي تستفيد من المعرفة البشرية والفكر كأصل أساسي، والتي ربما لن يكون الذكاء الاصطناعي خيارًا مثاليًا للقيام بها على الأقل خلال الفترات القريبة المقبلة، مثل مجال الاستشارات الإدارية.   

      الاستشارات الإدارية شأنها كشأن أي من المجالات الاستشارية التي تقوم على الاستعانة بالمتخصصين والخبراء بمختلف المجالات لنقل خبراتهم ومهاراتهم إلى مختلف المنظمات أو الأفراد للوصول إلى تحقيق أهداف مختلفة بناء على مجال تخصص المستشار، لكنها تشهد نشاطًا يتعلق بالذكاء الاصطناعي بشكل مختلف، حيث تستحوذ عدد من الشركات الاستشارية على بعض شركات الذكاء الاصطناعي خلال تلك الفترة، مما يدفع للتساؤل حول مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على مجال الاستشارات، والذي سنحاول توضيحه عبر الآتي.   

          توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال الاستشارات   

          لا يخفى على أحد حالة الرواج التي تشهدها تطبيقات الذكاء الاصطناعي بين المستخدمين سواء المدمجة في حواسبهم الشخصية أو هواتفهم الذكية، والأدوت والتطبيقات الأخرى ومنها شات جي بي تي ChatGPT على سبيل المثال الذي طورته شركة Open AI ويمثل طفرة في توظيف الذكاء الاصطناعي في المحادثة والإجابة على المستخدمين بشكل يكاد يضاهي التفاعل البشري، والذي يتماشى مع التوجه نحو الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الشركات ومنها الاستشارات أيضًا، حيث لا تقتصر الاستفادة منه على توفير الوقت والجهد فقط، بل يمكن من خلاله أتمتة المهام الشاقة وتجاوز العديد من المعوقات في عمليات الشركة 

              وبالفعل بدأت بعض الشركات الاستشارية في تضمين حلول الذكاء الاصطناعي كجزء من خدماتها، وهوما صاحبه إثارة لمخاوف المستشارين من أن يصل بهم الحال إلى إزاحتهم مثل بعض الوظائف البشرية حال الاعتماد بشكل متزايد على الروبوتات والآلات المدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي في مجال الاستشارات، ولكن التطورات المتلاحقة في مجال الذكاء الاصطناعي كشفت أن الشراكة بين البشر والآلات يمكن أن تخلق وضعًا مفيدًا للطرفين سواء الأفراد أو الشركات، حيث يمكن المزج بين قدرات البشر في الإبداع والذكاء العاطفي اللازمين للوصول إلى العملاء وقدرات الذكاء الاصطناعي في توفير رؤى قيمة قائمة على البيانات بشكل سريع مما يحقق التكامل بشكل جيد 

                  وينعكس ذلك على المستشارين في منحهم القدرة على تقديم خدمات أفضل من خلال الجمع بين أفضل القدرات البشرية والآلية في مهنتهم، مما يجعلهم أكثر جاذبية للعملاء الذين يبحثون عن رؤية لا مثيل لها في عملياتهم التجارية، وبالتالي تتبدد المخاوف من التقنية والاستبدال إلى استكمال وتكامل مع البشر المحترفين من المستشارين مما يجعل الوظائف الاستشارية أكثر أمانًا في تلك الحالة من أي وقت مضى

                    مهام يصعب استبدالها بالذكاء الاصطناعي  

                     على الرغم من إمكانية توظيف واستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الاستشارات نتيجة ما يوفره من سرعة وكفاءة في أداء بعض المهام، إلا أنه لا يمكن أن يحل محل المستشارون البشريون، بل يمكن أن يمثل فرصة للاستفادة بشكل أكبر من الكفاءات البشرية وليس الاستغناء عنها، حيث يمكن أن تكون مهام معالجة البيانات التي تتطلب وقتًا طويلًا أغلب الأحيان مسندة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي التي ستنفذها بشكل أسرع ودقة كبيرة، مما سيتيح في ذات الوقت مساحة أكبر للتفكير الإبداعي والمناقشة بين المستشارين البشريين ودراسة الملفات والتعمق في فهم المشكلات لتقديم المشورة الشخصية الملائمة لكل حالة من العملاء في مختلف المجالات 

                    وفي النهاية يؤكد ذلك على أن هناك بعض المهام التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محلها عندما يتعلق الأمر بالاستشاريين، ومنها: 

                    • المهارات البشرية  

                    رغم تطور الذكاء الاصطناعي وقدرته على التدرب والعمل بشكل مستقل بناء على تقنياتالتعلم العميقإلا أنه لا يضاهي المهارات البشرية، تلك المهارات التي تتطلبها وتؤثر في إتمام الصفقات والمعاملات التجارية بنجاح بنسبة كبيرة، والتي تشمل مهارات مثل المناقشة والتفاوض والإقناع وربما التعاطف والتفاهم ووجهات النظر الفردية والمشاعر في بعض الأحيان، وهو ما يجعل مهام مثل الترويج لفكرة أو البيع هي مهام من الأفضل تركها للبشر 

                      

                    • التفكير وفهم السياق   

                    تتطلب المهام الاستشارية الذكاء العاطفي والتفكير لفهم سياق الإجراءات المطلوبة لنمو الأعمال وهو ما يفتقده الذكاء الاصطناعي، بينما يراعي المستشارون البشريون عوامل متعددة مثل أهداف ورغبات عملائهم، وثقافة العمل في منطقة معينة، وغيرها من الأمور المتعلقة بالاستنتاجات، وعلى النقيض يتميز الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات لكنه يتطلب بيانات محددة كمدخلات قبل تقديم أي نصيحة أو اتخاذ قرارات 

                      

                    • الثقة والسمعة  

                    تمثل الثقة والسمعة عناصر رئيسية لدى الأفراد والشركات عند الحاجة لمهام استشارية، ولا يمكن مقارنة مصداقية حل الذكاء الاصطناعي ببساطة بمصداقية شركة استشارية راسخة وناجحة في مجالها، وقد يكون الذكاء الاصطناعي قوياً لكنه لا يزال يفتقر إلى السمعة والثقة، وهما عاملان رئيسيان في اتخاذ قرار الشراء لأي منتج أو خدمة خاصة في مجال الاستشارات