يواجه العالم تحديات بالغة الأهمية فيما يتعلق بظاهرة التغير المناخي التي أخدت في الآونة الأخيرة منحى شديد الخطورة وظهر تأثيرها السلبي على اقتصاديات دول العالم أجمع سواءً كانت ناشئة أو متطورة والتي طالها بشكل أو بآخر الأضرار السلبية للتغير المناخي، ومع ظهور التأثيرات السلبية للتغير المناخي بدأت أصوات قضية الأمن الغذائي العالمي تعلو، وطبقًا للبنك الدولي ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد من 135 مليون شخص في عام 2019م إلى 345 مليون في 82 بلد بحلول يونيو من عام 2022م.
ويشكل ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية السبب الرئيسي للزيادة في فاتورة الواردات الغذائية العالمية، والتي تمثلها البلدان مرتفعة الدخل في المقام الأول، وعلى الرغم من أن البلدان المرتفعة الدخل تقوم بمعظم فاتورة الواردات العالمية، فإن ارتفاع الأسعار يؤثر بدرجة أكبر على فئات البلدان المعرضة للمعاناة اقتصاديًا، حيث يعد نقص الأسمدة أحد المسببات الرئيسية لارتفاع أسعار المواد الغذائية، وطبقًا لدراسة حديثة لمنظمة “التجارة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة” يتوقع أن يستمر نقص الأسمدة حتى عام 2023م، مما سيحد من الإنتاج الزراعي ويزيد من انعدام الأمن الغذائي، وستكون هذه الآثار ضارة بشكل خاص بالبلدان الضعيفة المعتمدة على الواردات، وكثير منها في أفريقيا.
ظاهرة الأمن الغذائي
يحدث الأمن الغذائي عندما يكون جميع الناس قادرين على الحصول على ما يكفي من الغذاء الآمن والمغذي لتلبية متطلباتهم لحياة صحية وبطرق تمكن من الحياة واستمرارها في المستقبل، ويواجه الأمن الغذائي عددًا من التحديات عبر كل من الإنتاج والاستهلاك والتي ستكون الأبحاث ضرورية لحلها.
وتواجه العديد من البلدان العبء المزدوج المتمثل في الجوع ونقص التغذية إلى جانب زيادة الوزن والسمنة، حيث يعاني واحد من كل ثلاثة أشخاص في جميع أنحاء العالم حاليًا من أحد أشكال سوء التغذية، وليس من غير المألوف أن تجد أشخاصًا يعانون من أشكال مختلفة من سوء التغذية يعيشون جنبًا إلى جنب في بلد أو في مجتمع واحد أو حتى نفس المنزل.
وتنقسم قضية الأمن الغذائي إلى ثلاثة محاور رئيسية، المحور الأول متمثل في قضية توافر إمدادات كافية من الغذاء على أساس ثابت، حيث يمكن إنتاج هذا الطعام محليًا أو استيراده من أماكن أخرى، وفي بعض الحالات قد تكون الدول غير قادرة على إنتاج طعامها محليًا بسبب التقنيات أو الممارسات الزراعية غير الملائمة، ونقص الموارد الطبيعية أو الأراضي المنتجة، بالإضافة إلى قيود المناخ وحالات الطوارئ مثل الكوارث الطبيعية، وفي بعض الأحيان قد تكون المجتمعات غير قادرة على استيراد الغذاء بسبب التحديات المتعلقة بنقص النقد الأجنبي أو الاضطرابات السياسية أو نقص وسائل النقل.
ويعد المحور الثاني المتعلق تحديات الوصول إلى الغذاء، ووجود موارد كافية للحصول على أغذية مناسبة لنظام غذائي مغذي، حتى في حالة وجود إمدادات كافية من الغذاء لإطعام الجميع، فقد لا يكون الطعام متاحًا دائمًا للجميع، ويحتاج الناس إلى دخل وموارد كافية للحصول على الغذاء، وهناك عدد من العوامل التي يمكن أن تؤثر على وصول الشخص الاقتصادي إلى الغذاء، بما في ذلك نقص فرص العمل التي يمكن أن توفر دخلًا كافيًا أو نقص التدريب أو المعرفة التجارية للنجاح في الأنشطة المدرة للدخل.
أما المحور الأخير فيتعلق باستخدام الغذاء، وهذا يعني أن الناس يستخدمون الطعام بشكل مناسب، بناءً على المعرفة بالتغذية الأساسية والرعاية، ويتمتعون بإمكانية الوصول إلى المياه والصرف الصحي لإعداد الطعام والحفاظ على النظافة المناسبة.
اتخذت المملكة خطوات جادة في الفترة الأخيرة فيما يخص الأمن الغذائي في البلاد، حيث وضعت استراتيجيات تهدف لتعزيز النمو الغذائي ومواجهة تحديات التغير المناخي وندرة الموارد المائية، حيث أسهمت تلك الجهود في تحسين مؤشرات الأمن الغذائي بالمملكة، ولم تكتفي السعودية في دعم الأمن الغذائي داخليًا فقط بل دعمت المملكة جهود العالم الخارجي في مكافحة تحديات الأمن الغذائي خلال فترة جائحة كورونا، حيث قدمت مبلغ 500 مليون دولار، إضافة إلى تقديمها 300 مليون دولار لمساعدة جهود الدول في التصدي للجائحة، فضلًا عن الجهود الإنسانية الكبيرة التي قدمتها للدول الأكثر احتياجًا لمواجهة الآثار السلبية للجائحة.
وتعد قضية الأمن الغذائي واحدة من أبرز القضايا التي أشارت إليها رؤية 2030م، ومن ضمن جهود التنمية المستدامة على بناء قطاع زراعي مستدام، وتعزيز القطاعات الداعمة للنظم الغذائية، وتطوير النظم وتحسين الإنتاجية الزراعية، وعملت على تعزيز قدرات البحث والابتكار لضمان التقدم المستدام للأمن الغذائي.