يعد تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية أهمية كبرى بالنسبة لدول العالم، وذلك لما يوفره من زيادة في مستوى الدخل، ومساهمة في علاج مشكلة البطالة، وأيضًا زيادة قدرة الدولة من ناحية توريد السلع والخدمات العامة، ولكن قد يعتقد البعض أن لكل من المفهومين نفس المعنى، ولكن في الحقيقة أن كل مفهوم له معنى ودلالة مختلفة عن الآخر، ولذا نتناول بإيجاز الفرق بين مفهوم التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي عبر الآتي.
مفهوم التنمية الاقتصادية
التنمية الاقتصادية هي فرع من فروع علم الاقتصاد، وتركز بشكل أساسي على تحسين الظروف المالية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية، وتهتم دراسات التنمية بعوامل مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية و حجم الاستثمار الداخلي وظروف العمل والسياسات المحلية والدولية وظروف السوق مع التركيز على تحسين الظروف في الدول الأكثر فقرًا عالميًا.
أمثلة عن العوامل المؤثرة في حجم التنمية الاقتصادية
مستوى البنية التحتية: كالنقل والمواصلات وغيرها، ونأخذ على سبيل المثال قارة أفريقيا، حيث تحسنت التنمية الاقتصادية في السنوات الأخيرة في دول وسط أفريقيا بسبب زيادة معدلات وحجم الاستثمار في الطرق والسكك الحديدية والموانئ البحرية، والجدير بالذكر أن أغلب تلك الاستثمارات جاءت من الشركات الصينية التي لها مصلحة راسخة في نقل المواد الخام من أفريقيا إلى الصين.
مستوى تعليم: لمستويات ومعايير التعليم تأثير كبير على إنتاجية العمل والاقتصاد بشكل عام، فبدون معرفة القراءة والكتابة والحساب الأساسيين، من الصعب على أي اقتصاد أن يتطور من مرحلة العمل اليدوي إلى مرحلة الصناعة المعتمدة على التقنيات الحديثة، وعلى سبيل المثال في قارة آسيا، ساهمت مستويات التعليم الجيدة في الهند في توفير فرص للنمو في الصناعات الخدمية وبالأخص تقنية المعلومات.
حجم الاستثمار الداخلي: يمكن للبلدان النامية التي يمكنها جذب الاستثمار الداخلي أن تشهد نموًا كبيرًا في التنمية بسبب ارتفاع مستويات رأس المال، بالإضافة إلى أنها تلعب كمصدر جذب للشركات متعددة الجنسيات إلى بلدانهم، وقد لعب الاستثمار الداخلي في البلدان الصناعية الحديثة دورًا مهمًا في زيادة معدلات التنمية الاقتصادية، وعلى سبيل المثال، في عام 2011م، بلغ الاستثمار الداخلي في البرازيل نحو 101 مليار دولار.
مستوى المدخرات: وهنا يحضرنا ذكر نموذج Harod Domar، حيث يُنظر إلى مستويات المدخرات ورأس المال على أنها عامل رئيسي في تحديد النمو الاقتصادي للدول، حيث تتيح المدخرات الأعلى فرصة أعلى لزيادة معدلات الاستثمار، وبالتالي زيادة معدلات النمو والمدخرات مرة أخرى.
الموارد الطبيعية: حيث توفر الموارد الطبيعية الغنية للدول فرصًا ذاتية لاستخدام هذه الموارد من أجل الهدف الأسمى وهو التنمية الاقتصادية، وعلى سبيل المثال مكّنت الإيرادات المرتفعة المكتسبة من النفط دول الخليج العربي من التطور بسرعة واكتساب مستويات عالية من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، ومع ذلك لا يمكن القول أن الموارد الطبيعية وحدها هي العامل المؤثر في التنمية الاقتصادية بشكل مباشر، حيث تشير إحدى النظريات إلى أن المواد الخام الوفيرة يمكن أن تؤدي إلى تعثر بعض الاقتصادات نتيجة الاعتماد عليها بشكل كلي دون وجود حافز لتنويع الاقتصاد.
مفهوم النمو الاقتصادي
للنمو الاقتصادي تعريفات كثيرة ومتنوعة، فمنها ما هو دقيق بمعنى الكلمة ومنها ما هو غير كافي لوصف مفهوم النمو الاقتصادي، ولكن بشكل عام يعرف النمو الاقتصادي بأنه مقدار الزيادة في إنتاج السلع والخدمات الاقتصادية في فترة زمنية محددة مقارنة بفترة سابقة، ويمكن قياس النمو الاقتصادي من الناحية الاسمية أو كما تسمى بالإنجليزية Nominal Growth أو الناحية الحقيقية وتكون بعد حذف مقدار التضخم Real Growth، ويتم قياس النمو الاقتصادي الكلي من حيث الناتج القومي الإجمالي GNP أو الناتج المحلي الإجمالي GDP، وفي بعض الأحيان يتم استخدام مقاييس بديلة أخرى.
مراحل النمو الاقتصادي
اهتم العالم الاقتصادي الأمريكي “والت روستو” بدراسة مراحل تطور النمو الاقتصادي، وعلى يده تم وضع أهم النماذج التاريخية الرئيسية للنمو الاقتصادي، والتي خرجت للنور عام 1960م، وركزت النظرية على تقسيم النمو الاقتصادي للمجتمعات إلى 5 مراحل:
مرحلة المجتمع التقليدي: تتميز المرحلة الأولى تركز النشاط الزراعي على الحياة الاقتصادية، ويتبع أبسط الطرق وأقدمها في الزراعة، وتلعب الأسرة والعشيرة محور التنظيم الاجتماعي في تلك المجتمعات، وتلعب الملكية العقارية في تلك المجتمعات محور الهيكلة الاجتماعية.
مرحلة الاستعداد للانطلاق: لا تختلف المرحلة اختلافًا جذريًا عن المرحلة السابقة، ومن ناحية الهيكلة الاجتماعية أو الهيكلة الاقتصادية الخاص بالمرحلة السابقة، ولكن يكمن الفارق الرئيسي بين المرحلتين في توافر الشروط اللازمة والبيئة المناسبة التي تساعد هذا المجتمع على الانطلاق والتحول الجذري في المنظمات الاقتصادية والسياسية.
مرحلة الانطلاق: وهي المرحلة الأساسية في عملية نمو الأمم والمجتمعات، ويلعب التطور التكنولوجي والعلم المحرك الرئيسي لتلك المرحلة، وفي هذه المرحلة تزداد معدلات الاستثمار وحجمه، وبالتالي تتوسع عمليات التصنيع، ويندمج القطاع الزراعي والصناعي بقوة مع الأخر.
مرحلة النضج: وهي المرحلة التي تنتمي إليها كافة الدول المتقدمة، وفي هذه المرحلة تكون قد استطاعت تلك الدول استكمال نمو كافة قطاعاتها الاقتصادية، بمساعدة قدراتها التقنية والتي تقام عليها العديد من الصناعات مثل صناعة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية وصناعة المعدات الثقيلة، وأيضًا يتم الاعتماد على التقنية الحديثة في زيادة جودة وكمية الإنتاج الزراعي.
وختامًا يمكننا القول عند التحدث عن مصطلح النمو الاقتصادي بأنه مفهوم ضيق، لأنه يرتبط فقط بالجانب الكمي الاقتصادي، فنجد في التقارير والمؤشرات دائمًا ما يتم مقارنة النمو الاقتصادي لدولة ما بدولة أخرى في سنة معينة، في حين أن التنمية الاقتصادية مفهومها أوسع بكثير من المؤشر الكمي للنمو الاقتصادي لأنه لا يتعامل فقط مع المفهوم العددي، ولكن أيضًا مع المفهوم النوعي، أي أنه لا يتعامل فقط مع كميات محددة وأرقام ومؤشرات، ولكن يهتم أكثر بجودة الإنتاج وارتفاع مستوى المعيشة في الدول النامية.