شهد العالم بعد جائحة كوفيد-19 أزمة عالمية في تصنيع أشباه الموصلات وخاصة الرقائق الإلكترونية، نتيجة لعمليات الإغلاق التي شهدها العالم خلال الجائحة في فترة شهدت طلب متزايد على أشباه الموصلات بشكل كبير، وتوقع خبراء التقنية عالميًا أن تستمر تلك الأزمة لفترة ليست بالقصيرة، وهو ما سيتسبب في حدوث أزمة في كل ما يتعلق بإنتاج الأجهزة الإلكترونية بداية من السيارات وأجهزة الكمبيوتر  وصولًا إلى الصواريخ والطائرات الحربية.

    وتعد زيادة الطلب على الرقائق الإلكترونية مع انخفاض الإنتاج نتيجة توقف المصانع لفترة خلال جائحة كوفيد-19، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الشحن الدولية من الأمور التي ساعدت في خلق الأزمة التي نشهدها حاليًا، وربما أيضًا للحرب الأمريكية الصينية على أشباه الموصلات دور فعال في زيادة وتيرة تلك الأزمة الحالية.

      وأصبحت صناعة الموصلات أحد المحاور الأساسية في الحرب التجارية الأمريكية الصينية، حيث تمتلك الصين نحو أكثر من 50% من حجم إنتاج أشباه الموصلات في العالم وهو ما يمثل نحو 231 مليار دولار من حجم الإنتاج العالمي طبقًا لتقديرات عام 2018م، وهو أمر تبغضه الولايات المتحدة خاصة أنها مكون أساسي للصناعات الأمريكية الحديثة وتعتمد بشكل كبير على الإنتاج الصيني لتلك الرقائق الإلكترونية، وهو ما يمثل للولايات المتحدة قضية أمن قومي كما وصفها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” خلال افتتاحه أحد المصانع الكبرى المختصة بتصنيع أشباه الموصلات.

        ما هي الرقائق الإلكترونية؟

        تتكون الرقائق الإلكترونية من عدة مكونات مثل الترانزستورات والمقاومات والصمامات الثنائية والتي توجد جميعها في لوحة صغيرة واحدة تصنع من مادة السيليكون، وتتكون هذه اللوحة من العديد من الطبقات المعقدة من رقائق أشباه الموصلات والنحاس والمزيج من المواد الأخرى، وتحتوي الشريحة الإلكترونية الواحدة على مليارات المكونات في مساحة صغيرة، ويمكن أن تتحكم وتستخدم هذه الشريحة في كل ما يصنف جهاز إلكتروني، بحسب التعريف الوارد عن BLC Electronics.

          حجم سوق الرقائق الإلكترونية عالميًا 

          تتصدر تايوان المشهد فيما يتعلق بصناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات بوجه عام، حيث تحتل شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة المعروفة بـ (TSMC) المركز الأول عالميًا بحصة سوقية بلغت نحو 53.6% خلال الربع الأول من عام 2022م، بإجمالي أرباح قدرت بنحو 11.4 مليار دولار، كما نما سوق أشباه الموصلات بشكل سريع عبر السنوات الماضية نظرًا لأهميتها باعتبارها أحد المكونات الحاسمة في صناعة الأجهزة الإلكترونية، وسجل إجمالي حجم سوق أشباه الموصلات نمو من 33 مليار دولار عام 1987م إلى نحو 613.52 مليار دولار عام 2022م، وفقًا لإحصائيات منصة Statista.

             ومن المتوقع أن ينمو سوق أشباه الموصلات العالمي إلى نحو 1.380.79 مليار دولار بحلول عام 2029م، بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 12.2% خلال الفترة بين 2022م إلى 2029م، بحسب البيانات الواردة عن موقع  Fortune Business Insight، وبالنسبة لسوق الرقائق الإلكترونية الخاصة بتقنية الذكاء الاصطناعي فقد بلغت قيمته نحو 9.29 مليار دولار أمريكي عام 2019م، ويتوقع أن يزيد ليصل إلى نحو 253.3 مليار دولار بحلول عام 2030م.

              التحديات التي تواجه صناعة الرقائق الإلكترونية 

               تمتلك الشركات المصنعة للرقائق الإلكترونية العديد من التحديات التي أثرت على حجم الإنتاج والصناعة بشكل عام، ومن ضمن تلك التحديات التي ظهرت خلال جائحة  كوفيد-19 تعطل سلسلة التوريد بسبب التعقيدات التي تشهدها صناعة الشحن والنقل مع تقليل الوصول إلى العمالة نتيجة انتشار الوباء، وعلى عكس بعض عمليات التصنيع الأخرى، فإن مصانع أشباه الموصلات تقنية للغاية بحيث لا يمكنها الاستمرار في العمل بفعالية إلا بوجود عمالة مدربة من مهندسين وفنيين للعمل بكامل طاقتها.

                وأدت الزيادة السريعة في الطلب على أشباه الموصلات حتى في فترة ما قبل الوباء إلى ضغط القدرة التصنيعية واللوجستيات لصناعة أشباه الموصلات، وساهمت الجائحة في زيادة هذا الأمر بشكل كبير.