تتسم العلاقات السعودية الصينية بمستوى فريد من نوعه، حيث تحظى دولة الصين بمكانة خاصة لدى الشعب السعودي والعالم العربي بأسره، وتتشارك الدولتين معًا إرثًا حضاريًا يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، ويجمع المملكة العربية السعودية والصين روابط ومصالح متبادلة وتحديات مشتركة، ودائمًا ما تحرص كل من السعودية والصين على تفعيل مبدأ التعاون المشترك الجاد في مختلف المجالات الصناعية والتجارية، والتكنولوجية واللوجستية وغيرها من المجالات الاستراتيجية، وهو ما أكدت عليه القمة السعودية الصينية الأخيرة.   

      الإمكانات الصينية   

      تمتلك الصين قوة اقتصادية وتقنية جبارة جعلتها في صدارة دول العالم من الناحية الاقتصادية، والصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة بحجم ناتج قوي بلغ 17.73 تريليون دولار نهاية عام 2021م وفقًا للبيانات الصادرة عن البنك الدولي، ومن المتوقع أن يزيد إجمالي الناتج المحلي ليصل إلى 28.1 تريليون دولار وفقًا لتقديرات Statista، وتشكل الصين نحو 18.8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على أساس مقياس تعادل القوة الشرائية PPP طبقًا للتقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي، وعلى الصعيد التقني نما حجم الاقتصاد الرقمي الصيني من 27 تريليون يوان ما يعادل نحو 3.6 تريليون دولار عام 2017م ليتجاوز 45 تريليون يوان ما يعادل 6.4 تريليون دولار بنهاية عام 2021م 

          وعلى الرغم من النمو الاقتصادي الهائل الذي شهدته الصين على مدى السنوات الماضية، إلا أن أزمة جائحة كورونا وما صحبها من إجراءات احترازية عنيفة اتخذتها الصين ومنها سياسةصفر كوفيد” لمواجهة انتشار الفيروس، والتي أعاقت نمو الأعمال التجارية لفترة طويلة في واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم، مما أدى إلى إحداث بعض الاضطرابات في سلاسل التوريد والتأثير على حركة الاستثمار والتجارة ليس في الصين وحدها بل في العالم كله.

              التبادل التجاري بين السعودية والصين   

              تشكل المملكة العربية السعودية بالنسبة للصين شريك اقتصادي كبير ودور محوري في تنفيذ مبادرتهاالحزام والطريق”، لما تتمتع به السعودية من موقع جغرافي متميز يطل على البحر الأحمر، عوضًا عن ثقل المملكة على المستوى الإقليمي والدولي، وتعد المملكة الشريك الاقتصادي الأول للصين حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهم خلال الفترة بين 2017م إلى 2021م نحو 1.2 تريليون ريال سعودي أي ما يقابل 320 مليار دولار وفقًا للبيانات الصادرة عن اتحاد الغرف السعودية 

                  وشكل عام 2000م نقطة البداية في زيادة التبادل التجاري بين البلدين، وتزايد حجم التبادل التجاري البيني بين البلدين بنسبة 59% بعد 5 سنوات فقط، وصعدت السعودية محل دولة أنجولا كأكبر مصدر للنفط للصين بجانب تصدير البتروكيماويات، وبلغت قيمة صادرات السعودية إلى الصين 6 مليار دولار، مما يجعلها الوجهة الرئيسية للصادرات السعودية 

                    الدور السعودي في إعادة طريق الحرير القديم  

                    تعد مبادرةالحزام والطريق” وإعادة طريق الحرير القديم المشروع الأكبر للبنية التحتية في تاريخ البشرية حتى وقتنا الحالي، فهو يعكس شبكة كبيرة من الموانئ والطرق والسكك الحديدية تشمل وتعبر من خلال 65 دولة وتهدف الصين من خلال المبادرة إلى ربط بلدان العالم ببعضها البعض، وتسهيل حركة التجارة والنقل، وبالتالي تحفيز التجارة والنمو الاقتصادي في البلدان التي يمر بها الطريق وتعزيز إمكانات التكامل المالي والاقتصادي بين الدول المشاركة والداعمة للمبادرة، وتقوم الصين بضخ استثمارات ضخمة في بناء وسائل المواصلات المختلفة كالطرق السريعة والسكك الحديدية والموانئ ومحطات توليد الطاقة في البلدان المشاركة في المبادرة، وأيضًا بناء أنابيب لنقل الطاقة كالنفط والغاز.

                    وتتماشى رؤية المملكة 2030م مع المحاور والأهداف الأساسية للمبادرة الصينيةالحزام والطريق“، وهي أن تصبح المملكة قوة استثمارية عالمية ومركزًا عالميًا يربط بين قارات العالم آسيا وأوروبا وأفريقيا، وفي خضم هذا التوجه أتاحت المملكة للمستثمرين الصينيين أبوابها للاستثمار في مختلف القطاعات الاستراتيجية في ظل المناخ الاستثماري الجاذب للاستثمارات الذي وفرته المملكة على مدى السنوات الماضية.

                    وتعد القمة السعودية الصينية الأخيرة بمثابة تأكيد على زيادة التعاون المشترك بين البلدين على المستوى الاقتصادي، وعلى هامش القمة وقعت أكثر من 20 اتفاقية في أكثر من قطاع بقيمة تتعدى الـ 29 مليار دولار، بالإضافة إلى إعلان أكثر من 15 شركة صينية رغبتها الجدية في الاستثمار في المملكة