يعد التمويل المستدام مكونًا أساسيًا وجوهريًا لتحقيق التنمية المستدامة كهدف تطمح إليه الدول والمنظمات، وهو الموضوع الأكثر إلحاحًا لمختلف الأجيال، وتعني الاستدامة في هذا السياق أهمية وجودة عدم الإضرار بالبيئة أو استنزاف الموارد الطبيعية، مما يدعم التوازن البيئي والاجتماعي والحكومي طويل الأجل.

مفهوم التمويل المستدام 

يشير مفهوم التمويل المستدام إلى العملية التي تضع الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) في الاعتبار عند اتخاذ أي قرارات استثمارية تخص القطاع المالي، مما يؤدي إلى المزيد من الاستثمارات طويلة الأجل في الأنشطة والمشاريع الاقتصادية المستدامة، وتشمل الاعتبارات البيئية التخفيف من تغير المناخ وسبل التكيف معه وكذلك البيئة على نطاق أوسع، إضافة إلى التنوع البيولوجي، ومنع التلوث والاقتصاد الدائري.

    وتشير الاعتبارات الاجتماعية إلى قضايا عدة مثل عدم المساواة والشمولية، وعلاقات العمل، والاستثمار في رأس المال البشري والمجتمعات، كما تؤثر تلك الاعتبارات في حوكمة المنظمات العامة والخاصة، بما في ذلك الهياكل الإدارية وعلاقات الموظفين، والتي تلعب دورًا أساسيًا في ضمان إدراج الاعتبارات الاجتماعية والبيئية في عملية صنع القرار.

      ويمتد مفهوم التمويل المستدام إلى ما يفوق حماية البيئة، ويشمل في البداية ما إذا كانت الشركة ستستمر في عملها على مدى السنوات المقبلة وهل يتوقع أن تحقق أرباحًا بشكل مستدام أم لا، وعلى سبيل المثال، يساهم التعامل مع الموظفين بطريقة مستدامة وبناء أنظمة للحوافز في تعزيز السلوك بما يتماشى مع الاستراتيجية المستدامة للشركة. 

          فرص التمويل المستدام 

          يمثل التمويل الأخضر (المستدام) فرصة كبيرة غير مستغلة، خاصة في دول الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي تتميز بما لديها من أسواق رأس مال متطورة، تجذب المستثمرين من جميع أنحاء العالم نحو ضخ رؤوس أموالهم في المشاريع ذات التأثير البيئي والاجتماعي إضافة إلى تفعيل عمليات الحوكمة القوية (ESG)، وتتمتع المنطقة العربية وخاصة دول مجلس التعاون بميزة خاصة بسبب ما تمتلكه من  طاقة متجددة وفيرة ومنخفضة التكلفة، وفقًا للتقارير الصادرة من PwC.

              وتحتاج الحكومات في المنطقة إلى التركيز على 4 أولويات رئيسية هي تعزيز الاستدامة البيئية، وإنشاء صناديق ثروة سيادية خضراء، وتعزيز أسواق رأس المال، وأخيرًا تطوير آليات ومعايير متابعة الأداء البيئي، وذلك لتحقيق الاستفادة من الفرصة التي تمتلكها المنطقة، ومواصلة عملية تنويع الاقتصادات الإقليمية بعيدًا عن الصناعات التقليدية القائمة على الوقود الأحفوري. 

                وتولي الحكومات والشركات في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الوقت الراهن اهتمامًا كبيرًا بموضوعات الاستدامة البيئية، ورغم ذلك لم يستطع القطاع المالي مواكبة جانب التمويل الأخضر بشكل كافٍ حتى الآن، ولذا يجب تغيير ذلك وإحداث تطوير في الهيكل والآليات الصحيحة للتمويل الأخضر حتى يمكن المساعدة في فتح فرصة كبيرة لمنطقة مجلس التعاون الخليجي والتي قدر حجمها بنحو 2 تريليون دولار كما توفر أكثر من مليون وظيفة متوقعة بحلول عام 2030م، وذلك وفقًا لما ورد عن تحليلات PwC، وعلاوة على ذلك، يمكن للتمويل الأخضر تسريع أهداف المنطقة المتمثلة في التنويع الاقتصادي وخلق المزيد من فرص العمل، وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر.

                  التمويل المستدام بالمملكة 

                  أدركت المملكة الأهمية المطلقة للتمويل المستدام، ولذا عزمت خلال الأشهر الماضية على إطلاق حزمة جديدة من المبادرات الاستثمارية سعيًا إلى تعزيز الاستثمار الأخضر بكافة أنواعه، ومن أبرز تلك القرارات هو عزم السعودية إطلاق “سندات خضراء” لتواكب توجهات الدولة وأهدافها في تمويل المشاريع المستدامة والذي يعتبر جزءًا هامًا نصت عليه رؤية المملكة 2030م، ويعد البنك الأهلي السعودي أولى المنظمات المالية التي أعلنت وضع إطار عام يحد آليات التمويل المستدام بالقطاع المصرفي السعودي، والذي يركز على 4 مبادئ رئيسية وهي تعزيز التمويل المستدام، والمحافظة على البيئة، وتمكين الأفراد، وتعزيز مبادئ الحوكمة الأخلاقية، كما حصل البنك السعودي البريطاني “ساب” على جائزة “أفضل بنك للتمويل المستدام في المملكة العربية السعودية” لعام 2022م والمقدمة من مجلة “جلوبال فاينانس المصرفية العالمية”، مما يعكس اهتمام القطاع المصرفي السعودي ودوره بقضايا التمويل المستدام وحرصه على غرس دعائمه بالقطاع المصرفي بالمملكة.

                    وأعلنت المملكة في وقت مضى عن عزمها الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة لتصل نسبتها إلى 50% من إجمالي مصادر الطاقة المستخدمة وذلك بحلول 2030م، إضافة إلى عزمها إنفاق أكثر من 50 مليار دولار للاستثمار وتمويل المشاريع التي تعمل في مجالات الطاقة النظيفة.