تتزايد معدلات دوران الموظفين أصحاب الأداء العالي والكفاءات في المنظمات بوتيرة متسارعة، ويعاني أصحاب الأعمال بشدة حتى وأن لم يُظهروا ذلك عند فقد موظف محترف يعمل لدى منظماتهم، خاصة إذا كان يتوقع بعضهم أنه يوفر السبل المثلى لأداء العمل بكفاءة ويمنح المزايا والعطايا الكبرى والحوافز التي يفترض بها ألا تدع فرصة لتفكير الموظف في الرحيل، دون أن ينتبهوا أن تقييمهم لتلك المعضلة نابعًا من وجهة نظرهم أو مسؤولياتهم الشخصية والمهنية وعدم الرغبة في تحمل أي أعباء أو تكلفة إضافية، وليس من منطلق ما يريده أو يحتاجه الموظف للعمل برضا وراحة أو ما تطرحه الشركات والمنظمات المنافسة من مميزات كبرى لجذب تلك الكفاءات.
لذا تريث عزيزي صاحب العمل أو المدير الذي تتبعه إذا تلقيت رسالة عبر صندوق بريدك الإلكتروني يحمل عنوانها “استقالة” لأحد الموظفين المحترفين أو المميزين لدى شركتك ولا تتعجل في الرد بالقبول وتمني الأفضل للموظف دون أن تدرك دوافعه خاصة خلال تلك الفترة، فربما يمنحك ذلك فرصة أخيرة للحفاظ على استمرار تنفيذ بعض المهام المؤثرة في عملك بكفاءة إذا ما بحثت أسباب ودوافع الموظف المستقيل واستطعت إقناعه بالعدول عن قراره، وحتمًا ستعد قائدًا ناجحًا لدى مرؤوسيك إذا فعلت ذلك لأنه بشكل أو بأخر كفل للمنظمة استمرار العمل ومنع عنها تكبد المعاناة في مراحل التوظيف المرهقة لحين الوصول إلى صاحب المهارات المطلوبة البديل والذي ربما سيكون أعلى أجرًا أو أقل خبرة عن الموظف المغادر وسيحتاج لفترة إضافية للاندماج في دورة العمل ربما تكون تكلفتها باهظة مقارنة بالقدرة على إبقاء الموظف المستقيل في منصبه.
وهنا قد تثار لديك بعض التساؤلات حول مفهوم معدل دوران الموظفين أصحاب المهارات والمميزين وأسباب زيادته، والتي سنحاول الإجابة عنها عبر الآتي.
مفهوم معدل دوران الموظفين
يشير معدل الدوران الوظيفي (المرتفع) إلى زيادة عدد الموظفين الذين يغادرون المنظمة بشكل متكرر أكثر مما يتوقع أو يفوق متوسط المعدل المتعارف عليه في مجال المنظمة خلال فترة زمنية معينة، والذين تضطر المنظمة إلى استبدالهم بموظفين جدد، وعادة ما تكون أسباب دوران الموظفين نتيجة لقرارات التوظيف الخاطئة والإدارة السيئة، ولا يقتصر تأثير ارتفاع معدل دوران الموظفين المهرة على سير العمل فقط، بل يمتد ليؤثر على معنويات الموظفين المستمرين وإنتاجيتهم وفي النهاية على منتجات الشركة وخدماتها.
واعتبرت بعض الأبحاث أن زيادة معدل دوران الموظفين خاصة أصحاب الكفاءات يكلف المنظمات الكثير من المال، وقُدرت التكلفة المباشرة لاستبدال موظف واحد على الشركات والمنظمات بنحو ما بين 6 و 9 أشهر من راتب الموظف، إضافة إلى التكاليف الأخرى التي قد تخسرها المنظمة بفقد الموظف مثل التدريب والإعداد، ونفقات المقابلة، والإعلان، وغيرها من الأمور الأخرى.
القطاعات المرتفعة في الدوران الوظيفي
وتختلف معدلات دوران الموظفين حسب طبيعة المهنة والمجال والمنطقة أو الدولة، وعلى سبيل المثال تعتبر وظائف المبيعات هي الأعلى في معدل دوران موظفيها في المملكة المتحدة بنسبة 31%، يليها جمع التبرعات بنسبة 19.9% والتسويق بـ 19.6%، والوظائف الإدارية بـ 19.3%، والمهن التقنية بـ 18.3%، بينما سجلت قطاعات التوظيف أعلى معدل دوران بنسبة 352% والفنادق بنسبة 300% في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهناك بعض القطاعات التي تشهد معدل دوران مرتفع في الغالب مثل تقنية المعلومات، نظرًا للطلب القوي على مطوري البرامج في ظل قلة الأشخاص المهرة مما يدفع الشركات إلى طرح الكثير من الفرص التي ربما تتجاوز احتياجها الفعلي (أكثر من اللازم) للوقاية من نقص الكفاءات، وينطبق ذلك على الوظائف التقنية الأخرى مثل مصممي تجربة المستخدم ومحللي البيانات، وبوجه عام اكتسب سوق العمل التقني تنافسية شديدة نتيجة المنافسة التي خلقها توفر وكثرة العروض ومزاياها والمنافسة بين أصحاب الأعمال والمنظمات بهذا المجال، وفقًا لمنصة LinkedIn.
أسباب ارتفاع دوران الكفاءات في المنظمات
عادة ما يترك الموظفون من أصحاب المهارات والكفاءات العمل ويلجؤون للاستقالة عند غياب التواصل الجيد مع الإدارة، وذلك لتفضيل تلك الفئة المحترفة للعمل في منظمات جيدة في التعامل وتشارك الموظفين في تحديد السياسات والأولويات والإجراءات.
وقد يفضل أصحاب الكفاءات الشركات التي تقوم ببعض المهام وفق رغباتهم، مثل التواصل وإرسال الرسائل للموظفين على قناة وتطبيق الاتصال أو الجهاز الذي يفضلنه، ومعرفة الأوقات التي تناسبهم لتلقي الرسائل، وتشجيع الاتصال المباشر بشكل فعلي وثنائي الاتجاه بين المديرين التنفيذيين والموظفين على مستوى الأرض والمناقشة وجهًا لوجه، والاهتمام بالتواصل والتعامل مع الموظفين الذين ليس لديهم مكاتب أو العاملون عن بعد، وتعد الأسباب التالية أبرز ما يدفع الموظفين إلى الاستقالة.
1– زيادة ضغوط العمل
يبحث الموظفون عن فرصة عمل بديلة إذا زادت عليهم ضغوط العمل والإرهاق نتيجة تحمل كم كبير من المهام، خاصة إذا تحول ذلك إلى المعتاد في حياتهم العملية اليومية، وأصبحوا يضطرون إلى قضاء ساعات أطول في العمل للبقاء على سير العمل وضمان عدم تعطله، ونتيجة لذلك قد يتأثر التوازن بين العمل والحياة ويغيب تحققه إلى حد بعيد، ولذا يحتاج المديرون المباشرون إلى مراقبة عبء العمل والإنتاجية بصفة دورية.
وتعمل الإدارات الناجحة على توجيه الموظف إلى أكثر الطرق بساطة لأداء عمله، وتوزيع عبء العمل على الجميع بشكل أفضل بحيث تسند بعض المهام لأعضاء من فريق العمل أقل ضغطًا من زملائهم أصحاب الأعباء الثقيلة لضمان توازن الضغوط بين الفريق وتحمل الجميع للمسؤولية، وينبغي على أي مدير أن يكون على دراية بالمشكلات وأن يعمل بنشاط على حلها.
2- غياب التقدير والاعتراف
تؤكد البحوث والدراسات على ضرورة تحفيز ومكافأة الموظفين وتأثير ذلك التشجيع والاعتراف بدورهم في قرار استمرارهم بالعمل من عدمه، ويحتاج الموظف من آن لآخر إلى الشعور بأن عمله جدير بالاهتمام، وأن يتلقى ويستمع لعبارات بسيطة مثل “شكرًا لك” أو “أحسنت” بجانب الامتيازات والمكافآت وغيرها من المحفزات التي ينعكس تأثيرها بشكل إيجابي على المنظمة.
3- ثقافة وبيئة العمل
ترتبط ثقافة وبيئة العمل بمدى سعادة الموظفين، وهو ما يفسر زيادة إنتاجيتهم وسعادتهم في العمل لدى الشركات والمنظمات التي تعتمد ثقافة جيدة وتوفر بيئة عمل مريحة، وعلى العكس تؤدي ثقافة الشركات السيئة إلى جعل الموظفين بائسين ومحبطين، ولذلك تتطلب ثقافة الشركة العمل عليها بشكل مستمر لتفادي أن يكون تأثيرها هو السلبي الذي ينعكس على معدل دوران الموظفين.
4- العلاقة السيئة مع المدير
يتطلب الوصول إلى وصف المدير بأنه “مدير جيد” من موظفيه مهارات وقدرات يجب أن تتوفر به لتقود إلى اعتباره كذلك، أبرزها أن يكون شخص منظم وعادل ومحفز وموجه وماهر في تخصصه ولديه قابلية للتواصل والمرونة والتفهم وحسن تقييم الأمور والمعرفة بشكل أكبر، وقد تشير الاستقالات المتكررة أو ارتفاع معدل الدوران الوظيفي إلى أن المدير غير جيد، ولذلك يجب على أصحاب الأعمال التأكد من توظيف المديرين المناسبين في المقام الأول ودعمهم بالتدريب والتطوير عند اللزوم، ومراقبة أداءهم والاستماع إلى أي تعليقات بشأنهم من الموظفين خاصة حال تكررها.
5- عدم المرونة
ترتبط المرونة ارتباطًا وثيقًا بثقافة الشركة أو المنظمة، خاصة بعدما عدّ الكثير من الموظفين المحترفين أن العمل من الساعة التاسعة إلى الخامسة من المكاتب قد ولت أيامه، وأن هناك حاجة ملحة إلى المزيد من التوازن بين العمل والحياة، ولذا طرحت وربما أجبرت العديد من الشركات الآن إلى توفير خيارات عمل مرنة مثل ساعات العمل المرنة والعمل عن بعد للحفاظ على موظفيها، حتى لا تؤدي بهم في النهاية إلى البحث عن فرص وظيفية بديلة لدى شركات أخرى منافسة قد تكون أكثر جاذبية بالنسبة لهم إذا منحتهم ظروف العمل المرنة، وتنصح بعض الدراسات بنشر العمل المرن على مستوى الشركات التي يلائمها ذلك وعرضه على جميع الموظفين حتى لا تخاطر باستقرار معدل دورانها الوظيفي.
6- المكافآت والمزايا
يجب على المنظمات أن توفر حزم رواتب مناسبة ومحفزة لبقاء أصحاب المهارات والكفاءات، وألا تقتصر على الراتب الأساسي فقط بل تشمل العمولات والمزايا بما في ذلك المعاش التقاعدي والرعاية الصحية للموظف وأسرته وطب الأسنان والخصومات، والاهتمام بتتبع تقدم الموظف من خلال برامج الأداء ومنحه ما يستحق من محفزات، حيث رصدت أبحاث عدة أن نحو 25% من الموظفين سيتركون وظائفهم مقابل زيادة في الأجور قد يحصلون عليها في منظمات أخرى.
7- قلة فرص التعلم والتطوير
تجذب فرص التعلم والتطوير التي توفرها المنظمة اهتمام قطاع كبير من الموظفين، خاصة أصحاب المهارات الذين يعدون التطوير الذاتي منهج في حياتهم وليس واجب وظيفي، ويتطلعون إلى التدرج الوظيفي في عملهم، وبالتالي قلة تلك الفرص قد تعكس لديهم غياب فرص التطور الوظيفي والمهني لدى المنظمة وتدفعهم للبحث عن وظيفة بديلة مما قد يزيد من معدل الدوران الوظيفي لدى المنظمة.
أهم الطرق لمواجهة ارتفاع معدل الدوران الوظيفي
تعاني بعض المنظمات حتمًا من واحد أو أكثر من تلك الأسباب المؤدية إلى ارتفاع معدل الدوران الوظيفي خاصة بين الموظفين أصحاب الكفاءات، وربما تهدد تلك المعاناة من سير عملها بكفاءة، لكنها لا يزال لديها فرصة للاستماع إلى المشكلات واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على قواها البشرية والكفاءات قدر المستطاع، ويمكن أن تساهم الخطوات المقبلة في خفض معدل الدوران الوظيفي المرتفع لدى المنظمات.
- ضبط استراتيجية التوظيف لدى المنظمة، بحيث تضمن الوصول إلى أفضل المرشحين المناسبين للوظائف المطلوبة، وضبط لغة الإعلان عن الوظائف والتي تساهم في إقبال أو تراجع المهتمين بالوظيفة وهناك تقنيات وتطبيقات يمكن استخدامها تدعم كتابة الإعلان الوظيفي، وتقييم الموظف ومدى ملائمته للمهام الوظيفية قبل تعيينه حتى لا تتعرض المنظمة لمغادرة الموظفين الجدد في فترات مبكرة نتيجة التوقعات المسبقة بشأن الوظيفة أو المنظمة أو كليهما.
- تقديم صفقات تنافسية تضمن قبول الموظفين للوظائف واستمرار عملهم، ولا يعني ذلك دفع أعلى راتب فقط بل يشمل الأجر التنافسي والمزايا الإضافية التي تجذب الموظفين، مثل أوقات العمل المرنة والإجازات (غير المحدودة)، والمزايا الأخرى ومنها على سبيل المثال التأمين الصحي، ووجبة غداء مجانية، وإجازة وضع مدفوعة الأجر للموظفات، وتختلف المزايا التنافسية التي يفضلها الموظف أو الموظفة من شخص إلى أخر حسب الاحتياجات والظروف الخاصة.
- استمع إلى موظفيك إذا كنت أحد أصحاب الأعمال وتعاني من ارتفاع معدل الدوران الوظيفي أفعل ذلك بشكل عاجل، وأطلعهم على ما يمكن أن يتوقعون منك كصاحب عمل فيما يتعلق بالتطوير والتدرج الوظيفي والإطار الزمني لذلك، وعزز لديهم أهمية فرص التعلم التي تطرحها المنظمة، حيث أظهرت دراسة أن توفير تلك الفرص يقلل احتمالية ترك الموظف للمنظمة بنسبة 21% ويزيد من تطلعه تجاه التدرج الوظيفي الأعلى.