تتفوق أهمية التواصل مع مراكز الاتصال الخاصة بالجهات الحكومية بالمقارنة مع مراكز  الاستفسار عن خدمة تكميلية لصالح الأولى، ربما لأن حتمًا لدى كلًا منا تجرِبة على الأقل أو أكثر مع أي منها وقد يلجأ أحد قُرَّاءَنا الكرام إلى إحداها إذا ما واجهته مشكلة في الاتصال بالإنترنت خلال قراءة تلك الكلمات على سبيل المثال، طلبًا لفحص وحل ما يواجهه بشكل سريع وفوري وقد يصل بالفعل إلى إنهاء طلبه بنهاية التواصل سواء هاتفيًا أو عبر الوسائط والقنوات المختلفة.  

وتعد مراكز الاتصال الحكومية أحد أبرز الجهات التي يلجأ إليها العملاء في الحصول على بعض المنتجات والخدمات، لكن الضغوط زادت عليها خلال فترة جائحة كورونا، والتي فرضت التحول إلى “العمل عن بعد” على قطاع كبير من الموظفين مما ساهم في زيادة كثافة وحجم الطلب على الخدمات في آن واحد، وبالتالي احتمالية حدوث وتكرار المشكلات ومعها معدلات اللجوء لتلك المراكز التي تعرض موظفيها لبعض الضغوط نتيجة كثرة الاتصالات، ومطالبتهم باحتواء كل عميل وتلبية مطالبه نظرًا لأهمية دورهم في التأثير على  معدلات رضا العملاء.

ورغم ما حققته التقنية وتعدد سبل التواصل من تسهيل لتأدية المهام التي يحتاجها العملاء إلا أن الجائحة فرضت أعباءً إضافية على عاتق مقدمي الخدمات والحكومات، حيث أصبحوا يواجهون تحديات عدة نحو تطوير وتحسين مهام تلك المراكز، ويمكن أن تعد التحولات الاستراتيجية التالية التي ينصح بها خبراء “ديلويت” العالمية بمثابة دليل لرسم مستقبل ورؤية تلك المراكز الخدمية.

وترتكز مراكز الاتصال في المستقبل على 3 ركائز أساسية هي:

  • محور تجربة العملاء والذي يشمل مركز لخدمة العملاء عبر قنوات متعددة تعمل جميعها على توفير طرق وآليات غايتها وتصميمها  الأساسي محوره الإنسان، خاصة في العمليات التشغيلية لمراكز الاتصال، مما يضع العميل في المقدمة.
  • دمج التكنولوجيا بحيث تدعم آليات التواصل التعاطف مع العملاء ولا تقودهم إلى الغضب أو الشعور بعدم الراحة، بل تدفع لتسهيل حياتهم والحصول على خدماتهم من خلال خيارات تشمل نقاط الاتصال متعددة القنوات والخدمات اللاتلامسية الآلية.
  • منظمة تقنية حديثة وآمنة تضمن وتدعم العمليات ويمكن أن تقوم على منصة سحابية آمنة. 

التحولات الاستراتيجية لمستقبل مراكز الاتصال الحكومية

1- مراكز خبرة وليست مراكز تكلفة: عادة ما ينظر إلىى مراكز الاتصال على كونها مراكز تكلفة تعمل على تقليل نفقات المنظمة عن طريق تقليل الوقت في التحدث مع العملاء، دون الوضع في الاعتبار أن هناك بعض العملاء لديهم مشكلات صعبة قد تستغرق وقتًا أطول من المعتاد لحلها، بدلًا من التعرض لاتصالات العملاء المتكررة حال استمرار شكواهم، بينما عند التعامل كمراكز خبرة وإنهاء المشكلات من المرة الأولى ستقل التكلفة ويرتفع معدل الرضا لدى العملاء.

2- مراكز تواصل وليست مراكز اتصال: يتطلب ذلك تزويد المراكز بقنوات متعددة للتواصل تضم الهاتف، والرسائل النصية، والبريد والموقع الإلكتروني، والهاتف النقال، بما يتيح سهولة طلب العملاء للخدمة في أي وقت، لكن ذلك يتطلب الربط بين تلك القنوات المتعددة وتفعيل نظام لتوجيه العملاء نحو الخيار الصحيح الملائم لمطالبهم من قنوات التواصل المتعددة، مع طرح سبل لتنفيذ المعاملات السريعة الذاتية للعملاء عبر خطوات مبسطة مثل منصات المنظمات على الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية.

3- توفير حلول تلقائية وآلية وخدمة ذاتية: عبر توظيف التكنولوجيا يمكن الوصول إلى حلول سريعة لبعض المعاملات تخفض من تدخلات الموظفين، ويشترط أن تحظى تلك الحلول بتصميم وبنية جيدة حتى لا ينفر منها العملاء ويعودون للسبل التقليدية المكلفة والمهدرة للوقت والجهد، ومن المرجح أن تستثمر أفضل مراكز الاتصال في طرق لزيادة حصة الحلول التي تعمل باللمس، كما يجب أن تستثمر المنظمات في تطوير الخدمة الذاتية الرقمية والحلول التفاعلية السهلة.

4- التفاعلات البشرية المدعومة تقنيًا: يحتاج العملاء في بعض الأحيان إلى التفاعل مع إنسان بجانب الأنظمة التقنية التي قد لا تساعد في الحل وتقديم الدعم في بعض الحالات، ولذا يمكن للتفاعلات المدعومة تقنيًا أن تزيد من معدلات النجاح بشكل كبير، كما يحقق الدمج بين كفاءة التقنية وتفاعل الشخص الحي تجربة مميزة للعملاء تضمن إرشادهم في الحالات الخاصة.

5- منظومة المعلومات المتكاملة وسير العمل: يمثل طلب نفس المعلومات من العملاء مرات عدة عند كل معاملة أمرًا غير محببًا لدى الكثيرين، خاصة إذا كانت متابعة لذات المشكلة ورغم ذلك يتعين على العميل في بعض الأحيان “سرد قصته” ثلاث مرات لثلاثة أشخاص مختلفين، ويمكن أن يوفر نظام للمعلومات المتكاملة حلولًا للاحتفاظ بالمعلومات في مكان واحد مع إتاحة الوصول إليها عند الحاجة بواسطة ممثلي خدمة العملاء لعدم تكرار طلبها، ووضع ضوابط لتوجيه العملاء إلى موظف مختص وفق سير العمل وحسب الخدمة المطلوبة لكل عميل.

6- تعزيز تجربة الموظف: لا يمكن لموظف بائس أن يحقق نتائج أو يقدم خدمة جيدة إلى العملاء، ولذا يتوقع أن تشمل تجربة الموظفين في المراكز مستقبلًا الاهتمام بمزيد من التدريب، والمرونة، وخلق بيئة عمل أكثر إرضاءً؛ نظرًا للتأثير الكبير لموظفي الخطوط الأمامية على العملاء لكونهم يتعاملون مع تفاعلات صعبة من العملاء الغاضبين داخل مراكز الاتصال التي يمكن أن تمثل تجربة مرهقة للموظفين، وهو ما يتطلب تحفيزهم عبر منحهم المرونة في جداولهم والقدرة على العمل عن بُعد، من المنزل أو في أي مكان آخر يختارونه، والذي له فائدة إضافية تتمثل في تقليل تكاليف المرافق، ورغم أن من المرجح التحول نحو تقديم مزيد من الخدمات تقنيًا في المستقبل، ستتطلب المشكلات المتبقية التي ستكون أكثر تعقيدًا ممثلين لخدمة العملاء أكثر مهارة.

7- التقنية المتعاطفة: تجمع تلك التقنية بين الكفاءة الرقمية والتفاهم البشري من خلال تطورات الذكاء الاصطناعي التي تتيح الشعور بالعواطف الإنسانية لدى العملاء واستشعار إشارات المشاعر لديهم عن طريق تحليل أنماط الصوت والتقاط تعبيرات الوجه، ومنحهم حلول محسّنة أو تحويلهم إلى ممثل مباشر بدلًا من القنوات الرقمية، وعلى سبيل المثال تطبق هيئة الطرق والمواصلات في دبي (RTA) نظام يسمح للكاميرات التي تدعم الذكاء الاصطناعي بتحليل تعبيرات وجوه العملاء قبل وبعد إتمام معاملاتهم، وتسجيل ملاحظات فورية حول انطباعات العملاء، وإرسال إشعارات متابعة نصية ورسائل بريد إلكتروني إلى العملاء الذين يبدو عليهم عدم الرضا.