يشهد العالم تحدي كبير يتمثل في الاستنزاف المكثف للموارد الطبيعية في الوقت الحالي، حيث يقدر متوسط استهلاك الفرد بنحو أكثر من 11 طن من الموارد الطبيعية سنويًا، وتختلف تلك الكميات باختلاف المستوى المعيشي للدول، حيث يستهلك أفراد الدول ذات الدخل المرتفع نحو 10 أضعاف الدول ذات الدخل المنخفض، وتعد الزيادة السكانية وتبعاتها من زيادة أعداد المستهلكين المحرك الرئيسي للطلب المتزايد على الموارد الطبيعية، ولم تتمكن التكنولوجيا حتى الآن من الفصل بين تلك العلاقة.
وتجاوز الطلب البشري على الموارد الطبيعية قدرة الأرض على تلبيته، كما يعد سكان الأرض في حاجة إلى 1.75 كوكب أرض لتلبية الطلب البشري المتزايد على الموارد، مما سيكون له عواقب وخيمة على الكوكب وربما بقاء البشرية، وفقًا لوصف “ماتيس واكرناجل” مؤسس شبكة البصمة العالمية، ومن هذا المنطلق ظهر مفهوم الاقتصاد الدائري التي وجدت به الحكومات والمنظمات وسيلة يمكن من خلالها تقليل الآثار السلبية للاستنزاف المكثف للموارد الطبيعية.
الاقتصاد الدائري
يمثل الاقتصاد الدائري إعادة تعريف للنمو مع التركيز على الفوائد الإيجابية على مستوى المجتمع، من خلال تقليل النفايات وإعادة استخدامها في صناعات أخرى، وذلك بناءً على ما جاء في تعريف “البنك الدولي”، وعرف “البرلمان الأوروبي” الاقتصاد الدائري بأنه نموذج للإنتاج والاستهلاك، مبني على مشاركة المواد والمنتجات التي تم صنعها ثم تدويرها واستخدامها مرة أخرى لأطول فترة ممكنة، وبهذه الطريقة يمكن إطالة دورة حياة المنتجات وتقليل حجم النفايات غير المستخدمة، وتجدر بنا الإشارة إلى الاختلاف بين الاقتصاد الخطي التقليدي والاقتصاد الدائري الذي تكمن فيه إعادة استخدام المواد وتدويرها على عكس الاقتصاد الخطي التقليدي الذي ينص على استخلاص المواد الخام ثم التصنيع والاستهلاك.
ما هي أهداف الانتقال نحو الاقتصاد الدائري؟
يهدف الاقتصاد الدائري ببساطة إلى تغيير كل أساليب الإنتاج وأنماط الاستهلاك التقليدية (غير المستدامة) وأنماط الإنتاج والاستهلاك المستدامة، بهدف الحفاظ على المواد لأطول فترة ممكنة مما يساهم بشكل كبير في تقليل النفايات، إضافة إلى خفض استهلاك الطاقة الكهربائية وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
وساهم التحول نحو الاقتصاد الدائري في استحداث نماذج أعمال وصناعات جديدة وتوفير المزيد من فرص العمل في تلك الصناعات، ومنها على سبيل المثال الصناعات الصديقة للبيئة وإعادة تدوير المخلفات، ومعالجة المياه، وإعادة تدوير الملابس وغيرها من الصناعات.
الاقتصاد الدائري في المملكة
اتجهت شركة “أرامكو” نحو الاعتماد على نموذج الاقتصاد الدائري في أعمالها، وفي عام 2020م، أنشئ فريق عمل يهدف إلى الاطّلاع على أبرز الممارسات العالمية في هذا المجال، وقد تم وضع سبع مبادئ رئيسية لتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري في “أرامكو”، وبناءً على ذلك تم إطلاق مشروع تجريبي تم تطبيقه على ثمان إدارات وجاري تعميمه على باقي الإدارات في الشركة، والذي فازت بموجبه الشركة في تحدّي الاقتصاد الدائري تحت رعاية “المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة” لعام 2021م، مما يعد دليلًا قاطعًا على نجاح منهجية الاقتصاد الدائري بالشركة.